التفاسير

< >
عرض

لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ
٣٧
-عبس

روح المعاني

فإنه استئناف وارد لبيان سبب الفرار وجعله جواب { إِذَا } والاعتذار عن عدم التصدير بالفاء بتقدير الماضي بغير قد أو المضارع المثبت أو بالفاء إبدال يوم يفر المرء عنه إياه لأن البدل لا يطلب جزاء لا يخفى حاله على من شرط الإنصاف على نفسه أي لكل واحد من المذكورين شغل شاغل وخطب هائل يكفيه في الاهتمام به.

وأخرج الطبراني وابن مردويه والبيهقي والحاكم وصححه (( "عن أم المؤمنين سودة بنت زمعة قالت قال النبـي صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان قلت يا رسول الله واسوأتاه ينظر بعضهم إلى بعض قال شغل الناس عن ذلك وتلا { يَوْمَ يَفِرُّ }" )) الآية وجاء في رواية الطبراني عن سهل بن سعد أنه قيل له عليه الصلاة والسلام ما شغلهم فقال صلى الله عليه وسلم: "نشر الصحائف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل" وقيل يفر منهم لعلمه أنهم لا يغنون عنه شيئاً وكلام «الكشاف» يشعر بذلك ويأباه ما سمعت وكذا ما قيل يفر منهم حذراً من مطالبتهم بالتبعات يقول الأخ لم تواسني بمالك والأبوان قصرت في برنا والصاحبة أطعمتني الحرام وفعلت وصنعت والبنون لم تعلمنا ولم ترشدنا ويشعر بذلك ما أخرج أبو عبيد وابن المنذر عن قتادة قال ليس شيء أشد على الإنسان يوم القيامة من أن يرى من يعرفه مخافة أن يكون يطلبه بمظلمة ثم قرأ { يَوْمَ يَفِرُّ } الآية.

وذكر المرء بناءً على أنه الرجل لا الإنسان ليعلم منه حال المرأة من باب أولى وقيل هو من باب التغليب وفيه نظر. وجعل القاضي ذكر المتعاطفات على هذا النمط من باب الترقي على اعتبار عطف الأب على الأم سابقاً على عطفهما على الأخ فيكون المجموع معطوفاً عليه وكذا في صاحبته وبنيه فقال تأخير الأحب فالأحب للمبالغة كأنه قيل يفر من أخيه بل من أبويه بل من صاحبته وبنيه ولا يخفى تكلفه مع اختلاف الناس والطباع في أمر الحب ولعل عدم مراعاة ترق أو تدل لهذا الاختلاف مع الرمز إلى أن الأمر يومئذٍ أبعد من أن يخطر بالبال فيه ذلك.

وروي عن ابن عباس أنه يفر قابيل من أخيه هابيل ويفر النبـي صلى الله عليه وسلم من أمه ويفر / إبراهيم عليه السلام من أبيه ويفر نوح عليه السلام من ابنه ويفر لوط عليه السلام من امرأته. وفي خبر رواه ابن عساكر عن الحسن نحو ذلك وفيه فيرون أن هذه الآية أعني { يَوْمَ يَفِرُّ } الخ نزلت فيهم وكلا الخبرين لا يعول عليهما ولا ينبغي أن يلتفت إليهما كما لا يخفى. والذي أدين الله تعالى به نجاة أبويه صلى الله عليه وسلم وقد ألفت رسائل في ذلك رغماً لأنف علي القاري ومن وافقه وأعتقد أن جميع آبائه عليه الصلاة والسلام لا سيما من ولداه بلا واسطة أوفر الناس حظاً مما أوتي هناك من السعادة والشرف وسمو القدر:

كم من أب قد سما بابن ذرى شرف كما سما برسول الله عدنان

وقرأ ابن محيصن وابن أبـي عبلة وحميد وابن السميفع (يعنيه) بفتح الياء وبالعين المهملة أي يهمه من عناه الأمر إذا أهمه أي أوقعه في الهم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم(( " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" )) لا من عناه إذا قصده كما زعمه أبو حيان. وقوله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ }.