التفاسير

< >
عرض

وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٢٩
-التكوير

روح المعاني

{ وَمَا تَشَاءونَ } أي الاستقامة بسبب من الأسباب { إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } أي إلا بأن يشاء الله تعالى مشيئتكم فمشيئتكم بسبب مشيئة الله تعالى { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي مالك الخلق ومربيهم أجمعين وما تشاءون الاستقامة مشيئة نافعة مستتبعة لها إلا بأن يشاءها الله تعالى فله سبحانه الفضل والحق عليكم باستقامتكم إن استقتم. روي عن سليمان بن موسى والقاسم بن مخيمرة أنه لما نزلت { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } [التكوير: 28] قال أبو جهل جعل الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم فأنزل الله تعالى: { وَمَا تَشَاءونَ } الآية.

و(أن) وما معها هنا على ما ذكرنا، في موضع خفض بإضمار باء السببية وجوز أن تكون للمصاحبة وذهب غير واحد إلى أن الاستثناء مفرغ من أعم الأوقات أي وما تشاءون الاستقامة في وقت من الأوقات إلا وقت أن يشاء الله تعالى شأنه استقامتكم وهو مبني على ما نقل عن الكوفيين من جواز نيابة المصدر المؤول من أن والفعل عن الظرف وفي الباب الثامن من «المغني» أن (أن) وصلتها لا يعطيان حكم المصدر في النيابة عن ظرف الزمان تقول جئتك صلاة العصر ولا يجوز جئتك أن تصلي العصر فالأولى ما ذكرنا أولاً وإليه ذهب مكي وذهب القاضي إلى الثاني وقد اعترض عليه أيضاً بأن (ما) لنفي الحال و(أن) خاصة للاستقبال فيلزم أن يكون وقت مشيئته تعالى المستقبل ظرفاً لمشيئة العبد الحالية. وأجيب بأنا لا نسلم أن (ما) مختصة بنفي الحال ومن ادعى اختصاصها بذلك اشترط انتفاء القرينة على خلافه ولم تنتف هٰهنا لمكان أن في حيزها أو بأن كون (أن) للاستقبال مشروط بانتفاء قرينة خلافه وهٰهنا قد وجدت لمكان ما قبلها فهي لمجرد المصدرية وقيل يندفع الاعتراض بجعل الاستثناء منقطعاً فليجعل كذلك وإن كان الأصل فيه الاتصال وليس بشيء وقد أورد على وجه السببية الذي ذكرناه نحو ذلك وهو أنه يلزم من كون (ما) لنفي الحال و(أن) للاستقبال سببية المتأخر للمتقدم ومما ذكر يعلم الجواب كما لا يخفى فتأمل جميع ذلك والله تعالى الهادي لأوضح المسالك.

وقال بعض أهل التأويل الشمس شمس الروح والنجوم نجوم الحواس والجبال جبال القوالب وهي تسير كل وقت إلا أنه يظهر ذلك للمحجوب إذا كشف له الغطاء والعشار عشار القوى القالبية والوحوش وحوش الأخلاق الذميمة النفسانية والبحار بحار العناصر الطبيعية والنفوس القوى النفسانية وتزويجها قرن كل قوة بعملها والموؤدة الخواطر الإلهامية التي ترد على السالك فيئدها في قبر القالب ويظلمها والصحف على ظاهرها والسماء سماء الصدر والجحيم جحيم النفس وتسعيرها بنيران الهوى والجنة جنة القلب والخنس الأنوار المودعة في القوى القلبية والليل الأنوار الجلالية والصبح الأنوار الجمالية إلى آخر ما قال. ويستدل بحال البعض على البعض وقد حكى أبو حيان شيئاً من نحو ذلك وعقبه بتشنيع فظيع وهو لا يتم إلا إذا أنكر إرادة الظاهر وأما إذا لم تنكر وجعل ما ذكر ونحوه من باب الإشارة فلا يتم أمر التشنيع كما حقق ذلك في موضعه.