التفاسير

< >
عرض

كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
١٤
-المطففين

روح المعاني

{ كَلاَّ } ردع للمعتدي الأثيم عن ذلك القول الباطل وتكذيب له فيه وقوله عز وجل { بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } بيان لما أدى بهم إلى التفوه بتلك العظيمة أي ليس في آياتنا ما يصح أن يقال في شأنها مثل تلك المقالة الباطلة بل ركب قلوبهم وغلب عليها ما استمروا على اكتسابه من الكفر والمعاصي حتى صار كالصدأ في المرآة فحال ذلك بينهم وبين معرفة الحق فلذلك قالوا ما قالوا.

والرين في الأصل الصدأ يقال: ران عليه الذنب وغان عليه ريناً وغيناً ويقال: ران فيه النوم أي رسخ فيه وفي «البحر» ((أصل الرين الغلبة يقال رانت الخمر على عقل شاربها أي غلبت وران الغشي على عقل المريض أي غلب وقال أبو زيد يقال رين بالرجل يران به ريناً إذا وقع فيما لا يستطيع منه الخروج)) وأريد به حب المعاصي الراسخ بجامع أنه كالصدأ المسود للمرآة والفضة مثلاً المغير عن الحالة الأصلية. وأخرج / الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححاه والنسائي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم عن أبـي هريرة عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال (( "إن العبد إذا أذنب ذنباً نكتت في قلبه نكتة سوداء فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكر الله تعالى في القرآن { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }" )) وأخرج ابن المنذر وغيره عن مجاهد أنه قال كانوا يرون أن الرين هو الطبع وذكروا له أسباباً. وفي حديث أخرجه عبد بن حميد من طريق خليد بن الحكم عن أبـي المجبر أنه عليه الصلاة والسلام قال (( "أربع خصال مفسدة للقلوب مجاراة الأحمق فإن جاريته كنت مثله وإن سكت عنه سلمت منه وكثرة الذنوب مفسدة للقلوب وقد قال الله تعالى { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } والخلوة بالنساء والاستمتاع بهن والعمل برأيهن ومجالسة الموتى قيل يا رسول الله من هم قال كل غني قد أبطره غناه" )).

وقرىء بإدغام اللام في الراء وقال أبو جعفر بن الباذش أجمهوا يعني القراء على إدغام اللام في الراء إلا ما كان من وقف حفص على { بَلْ } وقفاً خفيفاً يسيراً لتبيين الإظهار وليس كما قال من الإجماع ففي «اللوامح» عن قالون من جميع طرقه إظهار اللام عند الراء نحو قوله تعالى: { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ } [النساء: 158] { { بَلْ رَبكُمْ } [الأنبياء: 56] وفي «كتاب ابن عطية» وقرأ نافع (بل ران) غير مدغم وفيه أيضاً وقرأ نافع أيضاً بالإدغام والإمالة وقال سيبويه في اللام مع الراء نحو أشغل رحمه البيان والإدغام حسنان وقال أيضاً فإذا كانت يعني اللام غير لام التعريف نحو لام هل وبل فإن الإدغام أحسن فإن لم تدغم فهي لغة لأهل الحجاز وهي عربية جائزة وفي «الكشاف» قرىء بادغام اللام في الراء وبالإظهار، والإدغام أجود وأميلت الألف وفخمت فليحفظ.