التفاسير

< >
عرض

فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً
١٧
-الطارق

روح المعاني

{ فَمَهّلِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } فلا تشتغل بالانتقام منهم ولا تدع عليهم / بالهلاك أو تأن وانتظر الانتقام منهم ولا تستعجل والفاء لترتيب مما بعدها على ما قبلها فإن الإخبار بتوليه تعالى لكيدهم بالذات وعدم إهمالهم مما يوجب إمهالهم وترك التصدي لمكايدتهم قطعاً ووضع الظاهر موضع الضمير لذمهم بأبـي الخبائث وأمها وقيل للاشعار بعلة ما تضمنه الكلام من الوعيد.

وقوله تعالى: { أَمْهِلْهُمْ } بدل من (مهل) على ما صرح به في «الإرشاد» وقوله سبحانه: { رُوَيْداً } إما مصدر مؤكد لمعنى العَامل أو نعت لمصدره المحذوف أي أمهلهم إمهالاً رويداً أي قريباً كما أخرج ابن المنذر وابن جرير عن ابن عباس أو قليلاً كما روي عن قتادة وأخرج ابن المنذر عن السدى أنه قال أي أمهلهم حتى آمر بالقتال ولعله المراد بالإمهال القريب أو القليل واختار بعضهم أن يكون المراد إلى يوم القيامة لأن ما وقع بعد الأمر بالقتال كالذي وقع يوم بدر وفي سائر الغزوات لم يعم الكل وما يكون يوم القيامة يعمهم والتقريب باعتبار أن كل آت قريب وعلى هذا النحو التقليل على أن من مات فقد قامت قيامته والظاهر ما قال السدي وقد عراهم بعد الأمر بالقتال ما عراهم وعدم العموم الحقيقي لا يضر.

وهو في الأصل على ما قال أبو عبيدة تصغير رُود بالضم وأنشد:

كأنها ثَمِلُ تمشي على رُودِ

أي على مهل. وقال أبو حيان وجماعة تصغير إرواد مصدر أرواد يُرود بالترخيم وهو تصغير تحقير وتقليل، وله في الاستعمال وجهان آخران كونه اسم فعل نحو رويدَ زيداً أي أمهله وكونه حالاً نحو سار القوم رويداً أي متمهلين غير مستعجلين ولم يذكر أحد احتمال كونه اسم فعل هنا وصرح ابن الشيخ بعدم جريانه وعلل ذلك بأن الأوامر كلها بمعنى فكأنه قيل أمهل الكافرين أمهلهم أمهلهم وفائدة التأكيد تحصل بالثاني فيلغو الثالث. وفي التعليل نظر فقد يسلك في التأكيد بألفاظ متحدة لفظاً ومعنى نحو ذلك ففي الحديث(( " أيما امرأة أنكحت نفسها بدون ولي فنكاحها باطل باطل باطل" )) ولا فرق بين الجمل والمفردات نعم هو خلاف الظاهر جداً. وجوزرحمه الله كونه حالاً أي أمهلهم غير مستعجل والظاهر أنه حال مؤكدة كما في قوله تعالى { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } [البقرة: 60] فلا تغفل وهو أيضاً بعيد. وظاهر كلام أبـي حيان وغيره أن الأمر الثاني توكيد للأول قالوا والمخالفة بين اللفظين في البنية لزيادة تسكينه صلى الله عليه وسلم وتصبيره عليه الصلاة والسلام وإنما دلت الزيادة من حيث الإشعار بالتغاير كأن كلا كلام مستقل بالأمر بالتأني فهو أوكد من مجرد التكرار.

وقرأ ابن عباس (مهلهم) بفتح الميم وشد الهاء موافقة للفظ الأمر الأول.