التفاسير

< >
عرض

سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ
١
-الأعلى

روح المعاني

أي نزه أسماءه عز وجل عما لا يليق فلا تؤول مما ورد منها اسماً من غير مقتض ولا تبقه على ظاهره إذا كان ما وضع له مما لا يصح له تعالى ولا تطلقه على غيره سبحانه أصلاً إذا كان مختصاً، كالاسم الجليل أو على وجه يشعر بأنه تعالى والغير فيه سواء إذ لم يكن مختصاً فلا تقل لمن أعطاك شيئاً مثلا هذا رازقي على وجه يشعر بذلك وصنه عن الابتذال والتلفظ به في محل لا يليق به كالخلاء وحالة التغوط وذكره لا على وجه الخشوع والتعظيم. وربما يعد مما لا يليق ذكره عند من يكره سماعه من غير ضرورة إليه. وعن الإمام مالك رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا لم يجد ما يعطي السائل يقول ما عندي ما أعطيك أو ائتني في وقت آخر أو نحو ذلك ولا يقول نحو ما يقول الناس يرزقك الله تعالى أو يبعث الله تعالى لك أو يعطيك الله تعالى أو نحوه فسئل عن ذلك فقال إن السائل أثقل شيء على سمعه وأبغضه إليه قول المسؤول ما يفيده رده وحرمانه فأنا أجل اسم الله سبحانه من أن أذكره لمن يكره سماعه ولو في ضمن جملة، وهذا منه رضي الله تعالى عنه غاية في الورع. وما ذكر من التفسير مبني على الظاهر من أن لفظ { ٱسْمَ } غير مقحم وذهب كثير إلى أنه مقحم وهو قد يقحم لضرب من التعظيم على سبيل الكناية ومنه قول لبيد:

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

فالمعنى نزه ربك عما لا يليق به من الأوصاف. واستدل لهذا بما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة وغيرهم "عن عقبة بن عامر الجهني قال لما نزلت { فَسَبّحْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلْعَظِيمِ } [الواقعة: 74] قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبّكَ ٱلأَعْلَىٰ } قال اجعلوها في سجودكم" ومن المعلوم أن المجعول فيهما سبحان ربـي العظيم وسبحان ربـي الأعلى، وبما أخرج الإمام أحمد وأبو داود والطبراني والبيهقي في «سننه» "عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبّكَ ٱلأَعْلَىٰ } قال سبحان ربـي الأعلى" وروى عبد بن حميد وجماعة أن علياً كرم الله تعالى وجهه قرأ ذلك فقال سبحان ربـي الأعلى وهو في الصلاة فقيل له أتزيد في القرآن قال لا إنما أمرنا بشيء ففعلته.

وفي «الكشاف» ((تسبيح اسمه تعالى تنزيهه عما لا يصح فيه من المعاني التي هي إلحاد في أسمائه سبحانه كالجبر والتشبيه مثلاً وان يصان عن الابتذال والذكر لا على وجه الخشوع والتعظيم)) / فجعل المعنيين على ما قيل راجعين إلى الاسم وان كان الأول بالحقيقة راجعاً إليه عز وجل لكن كما يصح أن يقال نزه الذات عما لا يصح له من الأوصاف أن يقال أيضاً نزه أسماءه تعالى الدالة على الكمال عما لا يصح فيه من خلافه، وليس المعنى الأول مبنياً على أن لفظ (اسم) مقحم ولا على أن المراد به المسمى إطلاقاً لاسم الدال على المدلول، نعم قال به بعضهم هنا وهو إن كان للأخبار السابقة كما في دعوى الاقحام فلا بأس وإن كان لظن أن التسبيح لا يكون للألفاظ الموضوعة له تعالى فليس بشيء لفساد هذا الظن بظهور أن التسبيح يكون لها كما سمعت.

وقد قال الإمام إنه كما يجب تنزيه ذاته تعالى وصفاته جل وعلا عن النقائص يجب تنزيه الألفاظ الموضوعة لذلك عن الرفث وسوء الأدب ومن هذا يعلم ما في التعبير عنه تعالى شأنه بنحو ليلى ونعم كما يدعى ذلك في قول ابن الفارض قدس سره:

أبرق بدا من جانب الغور لامع أم ارتفعت عن وجه ليلى البراقع

وقوله:

إذا أنعمت نعم علي بنظرة فلا أسعدت سعدى ولا أجملت جمل

إلى غير ذلك من أبياته. وقد عاب ذلك بعض الأجلة وعده من سوء الأدب ومخالفاً لقوله تعالى { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [الأعراف: 180] الآية وأجاب بعضهم بأن ذلك ليس من الوضع في شيء، وفهم الحضرة الإلٰهية من تلك الألفاظ إنما هو بطريق الاشارة كما قالوا في فهم النفس الأمارة من البقرة مثلا في قوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } [البقرة: 67] والمنكر لا يقنع بهذا. والأظهر أن يقال إن الكلام المورد فيه ذلك من قبيل الاستعارة التمثيلية ولا نظر فيها إلى تشبيه المفردات بالمفردات فليس فيه التعبير عنه وجل بليلى ونحوها واستعمال الاستعارة التمثيلية في شأنه تعالى مما لا بأس به حتى إنهم قالوه في البسملة كما لا يخفى على من تتبع رسائلهم فيها هذا ولعل عندهم خيراً منه.

وقال جمع الاسم بمعنى التسمية والمعنى نزه تسمية ربك بأن تذكره وأنت له سبحانه معظم ولذكره جل شأنه محترم وأنت تعلم أن هذا يندرج في تسبيح الاسم كما تقدم. وعن ابن عباس أن المعنى صل باسم ربك الأعلى كما تقول ابدأ باسم الله تعالى وحذف حرف الجر حكاه في «البحر» ولا أظن صحته. وقال عصام الدين لا يبعد أن يراد الاسم الأثر أي سبح آثار ربك الأعلى عن النقصان فإن أثره تعالى دال عليه سبحانه كالاسم فيكون منعاً عن عيب المخلوقات أي من حيث إنها مخلوقة له تعالى وعلى وجه ينافي قوله تعالى { مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ } [الملك: 3] ولا يخفى بعده وإن كان فيما بعد من الصفات ما يستأنس به له.

وأنا أقول إن كان { سَبِّحِ } بمعنى نزه فكلا الأمرين من كون (اسم) مقحماً وكونه غير مقحم وتعلق التسبيح به على الوجه الذي سمعت محتمل غير بعيد وإذا كان معناه قل سبحان كما هو المعروف فيما بينهم فكونه مقحماً متعين إذ لم يسمع سلفاً وخلفاً من يقول سبحان اسم ربـي الأعلى أو سبحان اسم الله والأخبار ظاهرة في ذلك وحمل ما فيها على اختيار الأخصر المستلزم لغيره كما ترى، ويؤيد هذا قراءة أبـي بن كعب كما في خبر سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن جبير (سبحان ربـي الأعلى) وأما ما قيل من أن الاسم عين المسمى واستدل عليه بهذه الآية ونحوها فهو مما لا يعول عليه أصلاً وقد تقدم الكلام أول الكتاب فارجع إليه ان أردته.

والأعلى صفة للرب وأريد بالعلو العلو بالقهر والاقتدار لا بالمكان لاستحالته عليه سبحانه، والسلف وإن لم يؤولوه بذلك لكنهم أيضاً يقولون باستحالة العلو المكاني عليه عز وجل. وجوز جعله صفة لاسم، وعلوه ترفعه عن أن يشاركه اسم في حقيقة معناه. واستشكل بأن قوله تعالى: { ٱلَّذِى خَلَقَ }.