التفاسير

< >
عرض

وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ
١٥
-الأعلى

روح المعاني

{ وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبّهِ } بلسانه وقلبه لا بلسانه مع غفلة القلب إذ مثل ذلك لا ثواب فيه فلا ينبغي أن يدخل فيما يترتب عليه الفلاح والذكر القلبـي باستحضار اسمه تعالى في القلب وإن كان ممدوحاً بلا شبهة إلا أن إرادته بخصوصه مما ذكر خلاف الظاهر وحكاه في «مجمع البيان» عن بعض وما روى عن ابن عباس من قوله أي ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه عز وجل ظاهر فيه وفي إقحام لفظ (اسم). وذهب بعض الحنفية إلى أن المراد بهذا الذكر تكبيرة الافتتاح كأنه قيل وكبر للافتتاح.

{ فَصَلَّىٰ } أي الصلوات الخمس كما أخرجه ابن المنذر وغيره عن ابن عباس وروي ذلك في حديث مرفوع وقيل الصلاة المفروضة وما أمكن من النوافل. واحتج بذلك على وجوب التكبيرة حيث نيط به الفلاح ووقع بين واجبين بل فرضين التزكي من الشرك والصلاة مع أن الاحتياط في العبادات واجب / فلا يضر الاحتمال، وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل وهو ظاهر، وعلى أن التكبيرة شرط لا ركن للعطف بالفاء وعطف الكل على الجزء كعطف العام على الخاص وإن جاز لا يكون بها مع أنه لو سلم صحته بتكلف فلا بد من نكتة ليدعى وقوعه في الكلام المعجز فحيث لم تظهر لم يصح ادعاؤه وبناء الركنية عليه، والإنصاف أنه مع ما سمعت احتجاج ليس بالقوي وقيل هو خصوص بسم الله الرحمن الرحيم قبل الصلاة وليس بشيء.

وعن علي كرم الله تعالى وجهه { تَزَكَّىٰ } [الأعلى: 14] أي تصدق صدقة الفطر { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ } كبر يوم العيد { فَصَلَّىٰ } صلاة العيد وعن جماعة من السلف ما يقتضي ظاهره ذلك. وتعقب بأن الصلاة مقدمة على الزكاة في القرآن وأن السورة مكية ولم يكن حينئذ عيد ولا فطر ورد بأن ذلك إذا ذكرت باسمها أما إذا ذكرت بفعل فتقديمها غير مطرد ومنه { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } [القيامة: 31] على أنه يجوز أن تكون مخالفة العادة هٰهنا للإرشاد إلى أن هذه الزكاة المقدمة قولاً ينبغي تقديمها فعلاً على الصلاة ولهذا كانوا يخرجونها قبل أن يصلوا العيد كما جاء في الآثار، وكون السورة مكية غير مجمع عليه وعلى القول بمكيتها الذي هو الأصح يكون ذلك مما تأخر حكمه عن نزوله.

وأقول يجوز أن يقال { تَزَكَّىٰ } أي تطهر من الشرك بأن آمن من بقلبه { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبّهِ } أي قال لا إلٰه إلا الله { فَصَلَّىٰ } أي الصلاة المفروضة وأخرج ابن أبـي حاتم وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ما يؤيده فيكون { تَزَكَّىٰ } إشارة إلى التصديق بالجنان { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبّهِ } إلى النطق باللسان و{ صَلَّىٰ } إلى العمل بالأركان لما أن الصلاة عماد الدين وأفضل الأعمال البدنية وناهية عن الفحشاء والمنكر فلا بدع أن تذكر فيراد جمع الأعمال البدنية والعبادات القالبية. وقد يقال اقتصر على ذكر الصلاة لأن الفرائض والواجبات البدنية لم تكن تامة يوم نزول السورة وكانت الصلاة أهم ما نزل إن كان نزل غيرها وقد روى عطاء عن ابن عباس ويزيد النحوي عن عكرمة والحسن بن أبـي الحسن أن أول ما نزل من القرآن بمكة { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ } [العلق: 1] ثم { نۤ } [القلم: 1] ثم المزمل ثم المدثر ثم { تَبَّتْ } [المسد: 1] ثم { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوّرَتْ } [التكوير: 1] ثم { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبّكَ } ثم إن من رداف لا إلٰه إلا الله محمد رسول الله وكان ذكر الله تعالى المطلوب هو مجموع الجملتين فلا بعد في أن يراد من ذكره تعالى في الآية وإذا اعتبر الإتيان باسمه عز وجل في الجملة الثانية على الوجه الذي أتى به ذكراً له تعالى كان أمر الإرادة أقرب وهذا الوجه لا يخلو عن حسن.

وكلمة { قَدْ } [الأعلى: 14] لما أنه عند الإخبار بسوء حال المتجنب عن الذكرى في الآخرة يتوقع السامع الاخبار بحسن حال المتذكر فيها. ولا يبعد أن تكون الجملة مستأنفة استئنافاً جواباً لسؤال نشأ عن بيان حال المتجنب والسكوت عن حال المتذكر الذي يخشى فكأنه قيل ما حال من تذكر فقيل { قَدْ أَفْلَحَ } إلى آخره وكان الظاهر قد أفلح من تذكر إلا أنه وضع { مَن تَزَكَّىٰ } إلى آخره موضع من تذكر إشارة إلى بيان المتذكر بسماته. وقوله تعالى: { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَٰوةَ ٱلدُّنْيَا }.