التفاسير

< >
عرض

فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ
١٥
-الفجر

روح المعاني

وقوله تعالى: { فَأَمَّا ٱلإِنسَـٰنُ } الخ متصل بما عنده كأنه قيل إنه سبحانه لبالمرصاد من أجل الآخرة فلا يطلب عز وجل إلا السعي لها فأما الإنسان فلا يهمه إلا الدنيا ولذاتها فإن نال منها شيئاً رضي وإلا سخط وكان اللائق أن لا يهمه إلا ما يطلبه الله عز وجل ولا يكون حاله ذلك. وقيل هو متصل به متفرع عليه على معنى فالإنسان يؤاخذ لا محالة لأنه بين غني مهلك موجب للتكبر والافتخار بالدنيا وبين فقر لا يصبر عليه ويكفر لأجله بالجزع والقول بما لا ينبغي وهو كما ترى.

{ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ } أي عامله معاملة من يبتليه بالغنى واليسار ليرى هل يشكر أم لا؟ والفاء في قوله سبحانه: { فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ } تفسيرية فإن الإكرام والتنعيم عين المراد بالابتلاء ولما كان الإكرام والتنعيم في حكم شيء واحد اقتصر على قوله (أكرمن) في قوله سبحانه: { فَيَقُولُ رَبّى أَكْرَمَنِ } ولم يضم إليه ونعمني وهذه الجملة خبر للمبتدأ الذي هو (الإنسان) والفاء لما في (أما) من معنى الشرط والظرف أعني (إذا) متعلق بيقول وهو / على نية التأخير ولا تمنع الفاء من ذلك كما صرح به الزمخشري وغيره من متقدمي النحاة وتبعهم من بعدهم كأبـي حيان والسمين والسفاقسي مع جمع غفير من المفسرين وهو كما قال الشهاب الحق الذي لا محيد عنه وخالفهم في ذلك الرضي ومن تبعه كالبدر الدماميني في «شرح المغنى» فقالوا إنما يجوز تقديم ما بعد الفاء عليها إذا كان المقدم هو الفاصل بين أما والفاء لما يتعلق بتقديمه من الأغراض فإن كان ثمت فاصل آخر امتنع تقديم غيره فيمتنع أما زيد طعامك فآكل وإن جاز أما طعامك فزيد آكل وقالوا في ذلك إنهم لما التزموا حذف الشرط لزم دخول أداته على فاء الجواب وهو مستكره فدعت الضرورة للفصل بينهما بشيء مما بعد الفاء والفاصل الواحد كاف فيه فيجب الاقتصار عليه وزعم الجلبـي محشي «المطول» أن هذا متفق عليه فرد به على المفسرين إعرابهم السابق وقال إنه خطأ والصواب أن يجعل الظرف متعلقاً بمقدر وهو المبتدأ في الحقيقة والتقدير فأما شأن الإنسان إذا الخ فالظرف من تتمة (الخبر المفصول به وليس) فاصلاً ثانياً كقولك أما إحسان زيد إلى الفقير فحسن، ويرد على تقديره أنه لا يصح وقوع جملة (يقول) خبراً عن الشأن إلا بتعسف كأن يكون الفعل بتأويل المصدر وإن لم تكن معه في اللفظ أن المصدرية كما قيل في

تسمع بالمعيدي خير من أن تراه

وهو فرار من السحاب إلى الميزاب. وذهب أبو البقاء إلى أن { إِذَا } شرطية وقوله تعالى { فَيَقُولُ } جوابها والجملة الشرطية خبر (الإنسان) ويلزمه حذف الفاء بدون القول وقد قيل إنه ضرورة.