التفاسير

< >
عرض

وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ
٢٣
-الفجر

روح المعاني

{ وَجِىء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } قيل هو كقوله تعالى { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } [النازعات: 36] على أن يكون مجيؤها متجوزاً به عن إظهارها واختير أنه على حقيقته فقد أخرج مسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها" )) وفي رواية بزيادة(( " حتى تنصب عن يسار العرش لها تغيظ وزفير" )) وجاء في بعض الآثار "أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبـي صلى الله عليه وسلم فناجاه ثم قام النبـي عليه الصلاة والسلام منكسر الطرف فسأله علي كرم الله تعالى وجهه فقال صلى الله عليه وسلم أتاني جبريل عليه السلام بهذه الآية { كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ } [الفجر: 21] الآية فقال له علي كرم الله تعالى وجهه كيف يجاء بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقاد بسبعين ألف زمام كل زمام يقوده سبعون ألف ملك فبينما هم كذلك إذ شردت عليهم شردة انفلتت من أيديهم فلولا أنهم أدركوها فأخذوها لأحرقت من في الجمع" وفي رواية "لولا أن الله تعالى حبسها لأحرقت السماوات والأرض" وتأويل كل ما ذكر ونحوه مما ورد وحمله على المجاز لا يدعو إليه إلا استحالة الانتقال الذي يقتضيه المجيء الحقيقي على جهنم وهو لعمري غير مستحيل فيجوز أن تخرج وتنتقل من محلها في المحشر ثم تعود إليه والحال في ذلك اليوم وراء ما تتخيله الأذهان.

{ يَوْمَئِذٍ } بدل من { إِذَا دُكَّتِ } وظاهر كلام الزمخشري أن العامل فيه هو العامل نفسه في المبدل منه أعني قوله تعالى: { يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَـٰنُ } وهو قول قد نسب إلى سيبويه وفي «البحر» ((المشهور خلافه وهو أن البدل على نية تكرار العامل)) والظاهر عندي الأول و{ يَتَذَكَّرُ } من الذكر ضد النسيان أي يتذكر الإنسان ما فرط فيه بتفاصيله بمشاهدة آثاره وأحكامه أو بإحضار الله تعالى إياه في ذهنه وإخطاره له وإن لم يشاهد بعد أثراً أو بمعاينة عينه بناء على أن الأعمال تتجسم في النشأة الآخرة فتبرز بما يناسبها من الصور حسناً وقبحاً أو من / التذكر بمعنى الاتعاظ أي يتعظ بما يرى من آثار قدرة الله عز وجل وعظيم عظمته تعالى شأنه.

وقوله تعالى: { وَأَنّى لَهُ ٱلذّكْرَىٰ } اعتراض جيء به لتحقيق أنه ليس يتذكر حقيقة لعرائه عن الجدوى لعدم وقوعه في أوانه و{ أَنّى } خبر مقدم و(الذكرى) مبتدأ و(له) متعلق بما تعلق به الخبر أي ومن أين تكون له الذكرى وقد فات أوانها. وقيل هناك مضاف محذوف أي وأنى له منفعة الذكرى ولا بد من تقديره لئلا يكون تناقض وقد علمت أن هذا يتحقق بما قرر أولاً على أنه إذا جعل اختصاص اللام مقصوراً على النافع استقام من غير تقدير ويكون إنكار أن تكون الذكرى له لا عليه وأما كونه حكاية لما كان عليه في الدنيا من عدم الاعتبار والاتعاظ فليس بشيء.

واستدل بالآية على أن التوبة من حيث هي توبة غير واجبة القبول عقلاً كما زعم المعتزلة بناء على وجوب الأصلح عندهم. وقيل في توجيهه أنه لو وجب قبولها لوجب قبول هذا التذكر فإنه توبة إذ هي كما بين في محله الندم على المعصية من حيث هي معصية والعزم على أن لا يعود لها إذا قدر عليها، ولم يعتبر أحد في تعريفها كونها في الدنيا وإن كانت النافعة منها لا تكون إلا فيها. وهذا التذكر هو عين الندم المذكور وقد صرح الضحاك كما أخرجه عنه ابن أبـي حاتم بأنه توبة ولم تقبل لعدم ترتب المنفعة عليه التي هي من لوازم القبول واعترض بأن المعتزلة إنما يقولون بوجوب قبولها بشرط عدم رفع التكاليف. وقيل إن تذكره ليس من التوبة في شيء فإنه عالم بأنها إنما تكون في الدنيا كما يعرب عنه قوله تعالى: { يَقُولُ يٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى }.