التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ
٤
-البلد

روح المعاني

أي في تعب ومشقه فإنه لا يزال يقاسي فنون الشداد من وقت نفخ لروح إلى حين نزعها وما وراءه، يقال كَبِدَ الرجل كَبْدَاً فهو أكبد إذا وجعته كبده وانفتخت فاتسع فيه حتى استعمل في كل تعب ومشقة ومنه اشتقت المكابدة لمقاساة الشدائد كما قيل كبته بمعنى أهلكه، وأصله كَبَدَهُ إذا أصاب كبده قال لبيد يرثي أخاه:

يا عين هلاَّ بكيت أربد إذ قمنا وقام الخصوم في كبد

أي في شدة الأمر وصعوبة الخطب. وعن ابن عمر يكابد الشكر على السراء ويكابد الصبر على الضراء وعن ابن عباس وعبد الله بن شداد وأبـي صالح والضحاك ومجاهد أنهم قالوا أي خلقناه منتصب القامة واقفاً ولم نجعله منكباً على وجهه وقال ابن كيسان أي منتصباً رأسه في بطن أمه فإذا أذن له في الخروج قلب رأسه إلى قدمي أمه وهذه الأقوال كلها ضعيفة لا يعول عليها بخلاف الأول وقد رواه الحاكم وصححه وجماعة عن ابن عباس وروي عن غير واحد من السلف.

نعم جوز أن يكون المعنى لقد خلقناه في مرض شاق وهو مرض القلب وفساد الباطن وهذا بناء على الوجه الثالث من الأوجه الأربعة السابقة في قوله تعالى: { لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ * وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } [البلد: 1ـ2] والمراد بالإنسان عليه الذين علم الله تعالى منهم حين خلقهم أنهم لا يؤمنون ولا يعملون الصالحات والظاهر أن المراد على ما عداه جنس الإنسان مطلقاً وقال ابن زيد المراد بالإنسان آدم عليه السلام وبالكبد السماء وشاع في وسط السماء كالكبيداء والكبيداة والكبداء والكبد بفتح فسكون وليس بشيء أصلاً.