التفاسير

< >
عرض

ٱلْقَارِعَةُ
١
مَا ٱلْقَارِعَةُ
٢
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ
٣
-القارعة

التحرير والتنوير

الافتتاح بلفظ { القارعة } افتتاح مهول، وفيه تشويق إلى معرفة ما سيخبر به.

وهو مرفوع إما على الابتداء و{ ما القارعة } خبره ويكون هناك منتهى الآية.

فالمعنى: القارعة شيء عظيم هي. وهذا يجري على أن الآية الأولى تنتهى بقوله: { ما القارعة }.

وإمّا أن تكون { القارعة } الأولُ مستقلاً بنفسه، وعُدّ آية عند أهل الكوفة فيقدر خبرٌ عنه محذوف نحو: القارعة قريبة، أو يقدر فعل محذوف نحو أتتْ القارعة، ويكون قوله: { ما القارعة } استئنافاً للتهويل، وجُعل آية ثانية عند أهل الكوفة، وعليه فالسورة مسمطة من ثلاث فواصل في أولها وثلاث في آخرها وفاصلتين وسطها.

وإعادة لفظ { القارعة } إظهار في مقام الإِضمار عدل عَنْ أن يقال: القارعة ماهِيهْ، لما في لفظ القارعة من التهويل والترويع، وإعادة لفظ المبتدأ أغنت عن الضمير الرابط بين المبتدأ وجملة الخبر.

والقارعة: وصف من القرع وهو ضرب جسم بآخر بشدة لها صوت. وأطلق القرع مجازاً على الصوت الذي يتأثر به السامع تأثُّر خوف أو اتعاظ، يقال: قَرع فُلاناً، أي زجره وعَنَّفه بصوت غضب. وفي المقامة الأولى: «ويقرع الأسماع بزواجر وعظه».

وأطلقت { القارعة } على الحدث العظيم وإن لم يكن من الأصوات كقوله تعالى: { { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة } [الرعد: 31] وقيل: تقول العرب: قرعت القوم قارعة، إذا نزل بهم أمر فظيع ولم أقف عليه فيما رأيت من كلام العرب قبل القرآن.

وتأنيث { القارعة } لتأويلها بالحادثة أو الكائنة.

و{ ما } استفهامية، والاستفهام مستعمل في التهويل على طريقة المجاز المرسل المركب لأن هول الشيء يستلزم تساؤل الناس عنه.

فــــ { القارعة } هنا مراد بها حادثة عظيمة. وجمهور المفسرين على أن هذه الحادثة هي الحشر فجعلوا القارعة من أسماء يوم الحشر مثل القيامة، وقيل: أريد بها صيحة النفخة في الصُّور، وعن الضحاك: القارعة النار ذات الزفير، كأنه يريد أنها اسم جهنم.

وهذا التركيب نظير قوله تعالى: { { الحَاقّة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة } [الحاقة: 1 ـــ 3] وقد تقدم.

ومعنى { وما أدراك ما القارعة } زيادة تهويل أمر القارعة و{ ما } استفهامية صادقة على شخص، والتقدير: وأي شخص أدراك، وهو مستعمل في تعظيم حقيقتها وَهَوْلها لأن هول الأمر يستلزم البحث عن تعرفة. وأدراك: بمعنى أعلمك.

و{ ما القارعة } استفهام آخر مستعمل في حقيقته، أي ما أدراك جواب هذا الاستفهام. وسدّ الاستفهام مَسدَّ مفعولي { أدراك }.

وجملة: { وما أدراك ما القارعة } عطف على جملة { ما القارعة }.

والخطاب في { أدراك } لغير معين، أي وما أدراك أيها السامع.

وتقدم نظير هذا عند قوله تعالى: { { الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة } [الحاقة: 1 ـــ 3] وتقدم بعضه عند قوله تعالى: { { وما أدراك ما يوم الدين } في سورة الانفطار (17).