التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ
٤
وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ
٥
-القارعة

التحرير والتنوير

{ يوم } مفعول فيه منصوب بفعل مضمر دل عليه وصف القارعة لأنه في تقدير: تَقْرع، أو دل عليه الكلام كله فيقدر: تكون، أو تحصل، يوم يكون الناس كالفراش.

وجملة: { يوم يكون الناس } مع متعلقها المحذوف بيان للإِبهامين اللذين في قوله: { { ما القارعة } [القارعة: 2] وقوله: { { وما أدراك ما القارعة } [القارعة: 3].

وليس قوله: { يوم يكون الناس } خبراً عن { القارعة } إذ ليس سياق الكلام لتعيين يوم وقوع القارعة.

والمقصود بهذا التوقيت زيادة التهويل بما أضيف إليه { يوم } من الجملتين المفيدتين أحوالاً هائلة، إلا أن شأن التوقيت أن يكون بزمان معلوم، وإذ قد كان هذا الحال الموقت بزمانه غير معلوم مَداه. كان التوقيت لهُ إطماعاً في تعيين وقت حصوله إذ كانوا يَسألون متى هذا الوعد، ثم توقيته بما هو مجهول لهم إبهاماً آخر للتهويل والتحذير من مفاجأته، وأبرز في صورة التوقيت للتشويق إلى البحث عن تقديره، فإذا باء الباحث بالعجز عن أخذ بحيطة الاستعداد لحلوله بما ينجيه من مصائبه التي قرَعتْ به الأسماع في آي كثيرة.

فحصل في هذه الآية تهويل شديد بثمانية طرق: وهي الابتداء باسم القارعة، المؤذن بأمر عظيم، والاستفهام المستعمل في التهويل، والإِظهار في مقام الإِضمار أول مرة، والاستفهامُ عما ينْبىءُ بكنه القارعة، وتوجيهُ الخطاب إلى غير معين، والإِظهار في مقام الإِضمار ثاني مرة، والتوقيتُ بزمان مجهولٍ حصوله وتعريف ذلك الوقت بأحوال مهولة.

والفَراش: فرخ الجَراد حين يخرُج من بيضه من الأرض يَركب بعضه بعضاً وهو ما في قوله تعالى: { { يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر } [القمر: 7]. وقد يطلق الفراش على ما يطير من الحشرات ويتساقط على النار ليْلاً وهو إطلاق آخر لا يناسب تفسيرُ لفظ الآية هنا به.

و{ المبثوث }: المتفرق على وجه الأرض.

وجملة: { وتكون الجبال كالعِهنِ المنفوش } معترضة بين جملة { يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } وجملة: { { فأما من ثقلت موازينه } [القارعة: 6] الخ. وهو إدماج لزيادة التهويل.

ووجه الشبه كثرة الاكتظاظ على أرض المحشر.

والعِهن: الصوف، وقيل: يختص بالمصبوغ الأحمر، أو ذي الألوان، كما في قول زهير:

كأنَّ فُتات العِهن في كل منزلٍنَزَلْنَ به حبُّ الفَنَا لم يُحَطَّمِ

لأن الجبال مختلفة الألوان بحجارتها ونبتها قال تعالى: { { ومن الجبال جُدَدٌ بيضٌ وحمر مختلف ألوانها } [فاطر: 27].

والمنفوش: المفرق بعض أجزائه عن بعض ليغزل أو تُحشى به الحشايا، ووجه الشبه تفرق الأجزاء لأن الجبال تندكّ بالزلازل ونحوها فتتفرق أجزاءً.

وإعادة كلمة { تكون } مع حرف العطف للإِشارة إلى اختلاف الكونين فإن أولهما كونُ إيجاد، والثاني كون اضمحلال، وكلاهما علامة على زوال عالم وظهور عالم آخر.

وتقدم قوله تعالى: { { وتكون الجبال كالعهن } في سورة المعارج (9).