التفاسير

< >
عرض

لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ
٦
ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ
٧
-التكاثر

التحرير والتنوير

استئناف بياني لأن ما سبقه من الزجر والردع المكرر ومن الوعيد المؤكّد على إجماله يثير في نفس السامع سؤالاً عما يُترقب من هذا الزجر والوعيد فكان قوله: { لترَوُنّ الجحيم } جواباً عما يجيش في نفس السامع.

وليس قولُه: { لترَوُنّ الجحيم } جواب (لَوْ) على معنى: لو تعلمون علم اليقين لكنتم كمَن ترون الجحيم، أي لتروُنَّها بقلوبكم، لأن نظم الكلام صيغة قَسم بدليل قَرْنه بنون التوكيد، فليست هذه اللام لامَ جواب (لو) لأن جواب (لو) ممْتَنِعُ الوقوع فلا تقترن به نون التوكيد.

والإِخبار عن رؤيتهم الجحيم كناية عن الوقوع فيها، فإن الوقوع في الشيء يستلزم رؤيتَه فيكنى بالرؤية عن الحضور كقول جَعْفر بن عُلْبة الحارثي:

لا يَكشف الغَمَّاء إلا ابنُ حرةيَرى غمراتِ الموْتِ ثُمَّ يَزُورُها

وأُكد ذلك بقوله: { ثم لترونها عين اليقين } قصداً لتحقيق الوعيد بمعناه الكنائي. وقد عطف هذا التأكيد بــــ { ثم } التي هي للتراخي الرتبي على نحو ما قررنَاهُ آنفاً في قوله: { { ثم كلا سوف تعلمون } [التكاثر: 4]، وليس هنالك رؤيتان تقع إحداهما بعد الأخرى بمُهلة.

و{ عينَ اليقين }: اليقين الذي لا يشوبه تردد. فلفظ عين مجاز عن حقيقة الشيء الخالصة غير الناقصة ولا المشابهة.

وإضافة { عين } إلى { اليقين } بيانية كإضافة { حق } إلى { اليقين } في قوله تعالى: { { إن هذا لهو حق اليقين } [الواقعة: 95].

وانتصب { عينَ } على النيابة عن المفعول المطلق لأنه في المعنى صفة لمصدر محذوف، والتقدير. ثم لترونها رؤيةَ عين اليقين.

وقرأه الجمهور: { لترون الجحيم } بفتح المثناة الفوقية، وقرأه ابن عامر والكسائي بضم المثناة من (أراه).

وأمَّا { لترونها } فلم يختلف القراء في قراءته بفتح المثناة.

وأشار في «الكشاف» إلى أن هذه الآيات المفتتحة بقوله: { { كلا سوف تعلمون } [التكاثر: 3] والمنتهية بقوله: { عين اليقين }، اشتملت على وجوه من تقوية الإِنذار والزجر، فافتتحت بحرف الردع والتنبيه، وجيء بعده بحرف { ثم } الدال على أن الإِنذار الثاني أبلغ من الأول. وكرر حرف الردع والتنبيه، وحُذف جواب { { لو تعلمون } [التكاثر: 5] لما في حذفه من مبالغة التهويل، وأُتي بلام القسم لتوكيد الوعيد. وأكد هذا القسم بقسم آخر، فهذه ستة وجوه.

وأقول زيادة على ذلك: إن في قوله: { عين اليقين } تأكيدين للرؤية بأنها يقين وأن اليقين حقيقة. والقول في إضافة { عين اليقين } كالقول في إضافة { { علم اليقين } [التكاثر: 5] المذكور آنفاً.