التفاسير

< >
عرض

وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ
٦١
-هود

التحرير والتنوير

قوله تعالى: { وإلى ثمود أخاهم صالحاً } إلى قوله { غيره } الكلام فيه كالذي في قوله: { وإلى عَاد أخاهم هودا } [هود: 50] إلخ.

وذكر ثمود وصالح ـ عليه السّلام ـ تقدّم في سورة الأعراف.

وثمود: اسم جدّ سميت به القبيلة، فلذلك منع من الصرف بتأويل القبيلة.

وجملة { هو أنشأكم من الأرض } في موضع التّعليل للأمر بعبادة الله ونفي إلهية غيره، وكأنهم كانوا مثل مشركي قريش لا يدّعون لأصنامهم خلقاً ولا رزقاً، فلذلك كانت الحجّة عليهم ناهضة واضحة.

والإنشاء: الإيجاد والإحداث، وتقدّم في قوله تعالى: { وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين } في [الأنعام: 6].

وجَعل الخبرين عن الضمير فعلين دون: هو منشئكم ومستعمركم لإفادة القَصر، أي لم ينشئكم من الأرض إلاّ هو، ولم يستعمركم فيها غيره.

والإنشاء من الأرض خلق آدم من الأرض لأنّ إنشاءه إنشاء لنسله، وإنّما ذكر تعلّق خلقهم بالأرض لأنّهم كانوا أهل غرس وزرع، كما قال في سورة [الشعراء:146 ـ 148] { أتتْركون فيما هٰهنا آمنين في جنّاتٍ وعيونٍ وزروعٍ ونخلٍ طلعها هضيمٌ } ولأنّهم كانوا ينحتون من جبال الأرض بيوتاً ويبنون في الأرض قصوراً، كما قال في الآية الأخرى: { وبوّأكم في الأرض تتّخذون من سهولها قصُوراً وتنحتون الجبال بيوتاً } [الأعراف: 74]، فكانت لهم منافع من الأرض تناسب نعمة إنشائهم من الأرض فلأجل منافعهم في الأرض قيّدت نعمة الخلق بأنّها من الأرض التي أنشئوا منها، ولذلك عطف عليه { واستعمركم فيها }.

والاستعمار: الإعمار، أي جعلكم عامرينها، فالسّين والتاء للمبالغة كالتي في استبقَى واستفاق. ومعنى الإعمار أنهم جَعلوا الأرض عامرة بالبناء والغرس والزرع لأنّ ذلك يعدّ تعميراً للأرض حتى سمي الحرث عِمارة لأنّ المقصود منه عَمر الأرض.

وفرع على التذكير بهذه النعم أمرهم باستغفاره والتّوبة إليه، أي طلب مغفرة أجرامهم، والإقلاع عمّا لا يرضاه من الشرك والفساد. ومن تفنّن الأسلوب أن جعلت هذه النعم علّة لأمرهم بعبادة الله وحده بطريق جملة التّعليل، وجعلت علّة أيضاً للأمر بالاستغفار والتّوبة بطريق التّفريع.

وعطف الأمر بالتّوبة بحرف التّراخي للوجه المتقدّم في قوله: { ويا قوم استغفروا ربّكم ثم توبوا إليه } [هود: 51] في الآية المتقدمة.

وجملة { إنّ ربّي قريب مجيب } استئناف بيانيّ كأنهم استعظموا أن يكون جرمهم ممّا يقبل الاستغفار عنه، فأجيبوا بأنّ الله قريب مجيب، وبذلك ظهر أنّ الجملة ليست بتعليل. وحرف { إنّ } فيها للتّأكيد تنزيلاً لهم في تعظيم جرمهم منزلة من يشكّ في قبول استغفاره.

والقرب: هنا مستعار للرأفة والإكرام، لأنّ البعد يستعار للجفاء والإعراض. قال جبير بن الأضبط:

تباعد عنّي مطحل إذ دعوتهأمين فزاد الله ما بيننا بعداً

فكذلك يستعار ضدّه لضدّه، وتقدّم في قوله: { فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الداعِ } في سورة [البقرة:186]. والمجيب هنَا: مجيب الدّعاء، وهو الاستغفار. وإجابة الدّعاء: إعطاء السائل مسؤوله.