التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ
٢
-الاخلاص

التحرير والتنوير

جملة ثانية محكية بالقول المحكية به جملة: { اللَّه أحد }، فهي خبر ثان عن الضمير. والخبر المتعدد يجوز عطفه وفصله، وإنما فصلت عن التي قبلها لأن هذه الجملة مسوقة لتلقين السامعين فكانت جديرة بأن تكون كل جملة مستقلة بذاتها غيرَ ملحقة بالتي قبلها بالعطف، على طريقة إلقاء المسائل على المتعلم نحو أن يقول: الحوزُ شرط صحة الحُبس، الحوز لا يتم إلا بالمعانية، ونحو قولك: عنترة من فحول الشعراء، عنترة من أبطال الفرسان.

ولهذا الاعتبار وقع إظهار اسم الجلالة في قوله: { اللَّه الصمد } وكان مقتضى الظاهر أن يقال: هو الصمد.

و{ الصَمد }: السيد الذي لا يستغنى عنه في المهمات، وهو سيد القوم المطاع فيهم.

قال في «الكشاف»: وهو فَعَل بمعنى مفعول من: صَمَد إليه، إذا قصده، فالصمد المصمود في الحوائج. قلت: ونظيره السَّند الذي تُسند إليه الأمور المهمة. والفَلَق اسم الصباح لأنه يتفلق عنه الليل.

و{ الصمد }: من صفات الله، والله هو الصمد الحق الكامل الصمدية على وجه العموم.

فالصمد من الأسماء التسعة والتسعين في حديث أبي هريرة عند الترمذي. ومعناه: المفتقر إليه كلُّ ما عداه، فالمعدوم مفتقر وجودُه إليه والموجود مفتقر في شؤونه إليه.

وقد كثرت عبارات المفسرين من السلف في معنى الصمد، وكلها مندرجة تحت هذا المعنى الجامع، وقد أنهاها فخر الدين إلى ثمانية عشر قولاً. ويشمل هذا الاسمُ صفاتِ الله المعنويةَ الإِضافية وهي كونه تعالى حيّاً، عالماً، مريداً، قادراً، متكلماً، سميعاً، بصيراً، لأنه لو انتفى عنه أحد هذه الصفات لم يكن مصموداً إليه.

وصيغة { اللَّه الصمد } صيغة قصر بسبب تعريف المسند فتفيد قصر صفة الصمدية على الله تعالى، وهو قصر قلب لإِبطال ما تعوّده أهل الشرك في الجاهلية من دعائهم أصنامهم في حوائجهم والفزع إليها في نوائبهم حتى نَسُوا الله. قال أبو سفيان ليلة فتح مكة وهو بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقال له النبي صلى الله عليه وسلم "أما آن لك أن تشهد أن لا إلٰه إلا الله: لقد علمتُ أن لو كان معه إلٰه آخر لقد أغنى عني شيئاً" .