التفاسير

< >
عرض

وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ
٤٤
وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ
٤٥
-إبراهيم

التحرير والتنوير

{ وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ }.

عطف على جملة { { ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون } [إبراهيم: 42]، أي تَسَلّ عنهم ولاتملل من د عوتهم وأنذرهم.

والناس يعم جميع البشر. والمقصود: الكافرون، بقرينة قوله: { يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا }. ولك أن تجعل الناس ناساً معهودين وهم المشركون.

و{ يوم يأتيهم العذاب }. منصوب على أنه مفعول ثانٍ لــــ { أنذر }، وهو مضاف إلى الجملة. وفعل الإنذار يتعدى إلى مفعول ثانٍ على التوسع لتضمينه معنى التحذير، كما في الحديث "ما من نبي إلا أنذر قومه الدجال" .

وإتيان العذاب مستعمل في معنى وقوعه مجازاً مرسلاً.

والعذاب: عذاب الآخرة، أو عذاب الدنيا الذي هُدّد به المشركون. و{ الذين ظلموا }: المشركون.

وطلب تأخير العذاب إن كان مراداً به عذاب الآخرة فالتأخير بمعنى تأخير الحساب، أي يقول الذين ظلموا: أرجعنا إلى الدنيا لنجيب دعوتك. وهذا كما في قوله تعالى: { { رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } [سورة المؤمنون: 99، 100]، فالتأخير مستعمل في الإعادة إلى الحياة الدنيا مجازاً مرسلاً بعلاقة الأول. والرسل جميع الرسل الذي جاءُوهم بدعوة الله.

وإن حمل على عذاب الدنيا فالمعنى: أن المشركين يقولون ذلك حين يرون ابتداء العذاب فيهم. فالتأخير على هذا حقيقة. والرسل على هذا المحمل مستعمل في الواحد مجازاً، والمراد به محمد.

والقريب: القليل الزمن. شبه الزمان بالمسافة، أي أخّرنا مقدار ما نجيب به دعوتك.

{ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ وَسَكَنتُمْ فِى مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ }

لما ذُكر قبل هذه الجملة طلب الذين ظلموا من ربهم تعين أن الكلام الواقع بعدها يتضمن الجواب عن طلبهم فهو بتقدير قول محذوف، أي يقال لهم. وقد عُدل عن الجواب بالإجابة أو الرفض إلى التقرير والتوبيخ لأن ذلك يستلزم رفض ما سألوه.

وافتتحت جملة الجواب بواو العطف تنبيهاً على معطوف عليه مقدر هو رفض ما سَألوه، حُذف إيجازاً لأن شأن مستحق التوبيخ أن لا يعطى سؤله. التقدير كلا وألَم تكونوا أقسمتم.. الخ.

والزوال: الانتقال من المكان. وأريد به هنا الزوال من القبور إلى الحساب.

وحذف متعلق { زوال } لظهور المراد، قال تعالى: { { وأقسموا بالله جهَد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } [سورة النحل: 38].

وجملة { ما لكم من زوال } بيان لجملة { أقسمتم }. وليست على تقدير قول محذوف ولذلك لم يسرع فيها طريق ضمير المتكلم فلم يقل: ما لنا من زوال، بل جيء بضمير الخطاب المناسب لقوله: { أولم تكونوا أقسمتم }.

وهذا القسم قد يكون صادر من جميع الظالمين حين كانوا في الدنيا لأنهم كانوا يتلقون تعاليم واحدة في الشرك يتلقاها الخلف عن سلفهم.

ويجوز أن يكون ذلك صادراً من معظم هذه الأمم أو بعضها ولكن بقيتهم مضمرون لمعنى هذا القسم.

وكذلك الخطاب في قوله: { وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم } فإنه يعم جميع أمم الشرك عدا الأمة الأولى منهم. وهذا من تخصيص العموم بالعقل إذ لا بد أن تكون الأمة الأولى من أهل الشرك لم تسكن في مساكن مشركين.

والمراد بالسكنى: الحلول، ولذلك عُدّي بحرف الظرفية خلافاً لأصل فعله المتعدي بنفسه. وكان العرب يمرون على ديار ثمود في رحلتهم إلى الشام ويحطون الرحال هنالك، ويمرون على ديار عاد في رحلتهم إلى اليمن.

وتبيّنُ ما فعل الله بهم من العقاب حاصل من مشاهدة آثار العذاب من خسف وفناء استئصال.

وضَرب الأمثال بأقوال المواعظ على ألسنة الرسل ــــ عليهم السلام ــــ، ووصف الأحوال الخفية.

وقد جمع لهم في إقامة الحجة بين دلائل الآثار والمشاهدة ودلائل الموعظة.