التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ
١٠
وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
١١
-الحجر

التحرير والتنوير

عطف على جملة { { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } [الحجر: 9] باعتبار أن تلك جواب عن استهزائهم في قولهم: { { يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } [الحجر: 6] فإن جملة { إنا نحن نزلنا الذكر } قَول بموجَب قولهم: { يا أيها الذي نزل عليه الذكر }. وجملة { ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين } إبطال لاستهزائهم على طريقة التمثيل بنظرائهم من الأمم السالفة.

وفي هذا التنظير تحقيق لكفرهم لأن كفر أولئك السالفين مقرّر عند الأمم ومتحدِّث به بينهم.

وفيه أيضاً تعريض بوعيد أمثالهم وإدماج بالكناية عن تسلية الرسول ــــ عليه الصلاة والسلام ــــ.

والتأكيد بلام القسم و (قَد) لتحقيق سبق الإرسال من الله، مثل الإرسال الذي جحدوه واستعجبوه كقوله: { { أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم } [سورة يونس: 2]. وذلك مقتضى موقع قوله: { من قبلك }.

والشِيَع جمع شيعة وهي الفرقة التي أمرها واحد، وتقدم ذلك عند قوله تعالى: { { أو يلبسكم شيعا } في سورة الأنعام (65). ويأتي في قوله تعالى: { ثم لننزعن من كل شيعة } في سورة مريم (69)، أي في أمم الأولين، أي القرون الأولى فإن من الأمم من أرسل إليهم ومن الأمم من لم يرسل إليهم. فهذا وجه إضافة { شيع } إلى { الأولين }.

و{ كانوا به يستهزءون } يدلّ على تكرر ذلك منهم وأنه سنتهم، فــــ (كان) دلّت على أنه سجية لهم، والمضارع دل على تكرره منهم.

ومفعول { أرسلنا } محذوف دلت عليه صيغة الفعل، أي رُسلاً، ودلّ عليه قوله: { من رسول }.

وتقديم المجرور على { يستهزءون } يفيد القصر للمبالغة، لأنهم لما كانوا يكثرون الاستهزاء برسولهم وصار ذلك سجية لهم نزلوا منزلة من ليس له عمل إلا الاستهزاء بالرسول.