التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ
٢٤
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
٢٥
-الحجر

التحرير والتنوير

لما ذكر الإحياء والإماتة وكان الإحياء ــــ بكسر الهمزة ــــ يذكر بالأحياء ــــ بفتحها ــــ، وكانت الإماتة تذكّر بالأموات الماضين تخلص من الاستدلال بالأحياء والإماتة على عظم القدرة إلى الاستدلال بلازم ذلك على عظم علم الله وهو علمه بالأمم البائدة وعلم الأمم الحاضرة؛ فأريد بالمستقدمين الذين تقدموا الأحياء إلى الموت أو إلى الآخرة، فالتقدم فيه بمعنى المضي؛ وبالمستأخرين الذين تأخروا وهم الباقون بعد انقراض غيرهم إلى أجل يأتي.

والسين والتاء في الوصفين للتأكيد مثل استجاب؛ ولكن قولهم استقدم بمعنى تقدم على خلاف القياس لأن فعله رباعي. وقد تقدم عند قوله تعالى { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } في سورة الأعراف (34).

وقد تقدم في طالع تفسير هذه السورة الخبر الذي أخرجه الترمذي في جامعه من طريق نوح بن قيس ومن طريق جعفر بن سليمان في سبب نزول هذه الآية. وهو خبر واهٍ لا يلاقي انتظام هذه الآيات ولا يكون إلا من التفاسير الضعيفة.

وجملة { وإن ربك هو يحشرهم } نتيجة هذه الأدلة من قوله: { { وإنا لنحن نحي ونميت } [سورة الحجر: 23] فإن الذي يُحيــــي الحياة الأولى قادر على الحياة الثانية بالأوْلى، والّذي قدّر الموت ما قدره عبثاً بعد أن أوجد الموجودات إلاّ لتستقبلوا حياة أبدية؛ ولولا ذلك لقدر الدّوام على الحياة الأولى، قال تعالى: { { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } [سورة الملك: 2].

وللإشارة إلى هذا المعنى من حكمة الإحياء والإماتة أتبعه بقوله: { إنه حكيم عليم } تعليلاً لجملة { وإن ربك هو يحشرهم } لأن شأن { إنّ } إذا جاءت في غير معنى الرد على المنكر أن تفيد معنى التعليل والربط بما قبلها.

والحكيم الموصوف بالحكمة. وتقدم عند قوله تعالى: { { يؤتي الحكمة من يشاء } [سورة البقرة: 269] وعند قوله تعالى: { { فاعلموا أن الله عزيز حكيم } في سورة البقرة (209).

و العَليم الموصوف بالعلم العام، أي المحيط. وتقدم عند قوله تعالى: { { وليعلم الله الذين آمنوا } في سورة آل عمران (140).

وقد أكدت جملة { وإن ربك هو يحشرهم } بحرف التوكيد وبضمير الفصل لرد إنكارهم الشديد للحشر. وقد أسند الحشر إلى الله بعنوان كونه رب محمد صلى الله عليه وسلم تنويهاً بشأن النبي ــــ عليه الصلاة والسلام ــــ لأنهم كذبوه في الخبر عن البعث { { وقال الذين كفروا هل ندلّكم على رجل ينبّئكم إذا مزّقتم كل ممزّق إنكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذباً أم به جِنّة } [سورة سبأ: 7 - 8] أي فكيف ظنك بجزائه مكذبيك إذا حشرهم.