التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ
٢٧
-النحل

التحرير والتنوير

{ ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِىَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تُشَـٰقُّونَ فِيهِمْ }.

عطف على { { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة } [سورة النحل: 25]، لأن ذلك وعيد لهم وهذا تكملة له.

وضمير الجمع في قوله تعالى: { يخزيهم } عائد إلى ما عاد إليه الضمير المجرور باللام في قوله تعالى { { وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم } [سورة النحل: 24]. وذلك عائد إلى { { فالذين لا يؤمنون بالآخرة } [سورة النحل: 22].

و{ ثمّ } للتّرتيب الرّتبي، فإنّ خزي الآخرة أعظم من استئصال نعيم الدّنيا.

والخِزي: الإهانة. وقد تقدّم عند قوله تعالى: { { فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزي في الحياة الدّنيا } في سورة البقرة (85).

وتقديم الظرف للاهتمام بيوم القيامة لأنّه يوم الأحوال الأبديّة فما فيه من العذاب مهول للسّامعين.

و{ أين } للاستفهام عن المكان، وهو يقتضي العلم بوجود من يحلّ في المكان. ولما كان المقام هنا مقام تهكّم كان الاستفهام عن المكان مستعملاً في التهكّم ليظهر لهم كالطماعية للبحث عن آلهتهم، وهم علموا أن لا وجود لهم ولا مكان لحلولهم.

وإضافة الشركاء إلى ضمير الجلالة زيادة في التوبيخ، لأنّ مظهر عظمة الله تعالى يومئذٍ للعيان ينافي أن يكون له شريك، فالمخاطبون عالمون حينئذٍ بتعذّر المشاركة.

والموصول من قوله تعالى: { الذين كنتم تشاقون فيهم } للتّنبيه على ضلالهم وخطئهم في ادعاء المشاركة مثل الذي في قول عبدة:

إنّ الّذينَ ترونهم إخْوَانَكميشفي غليلَ صدورهم أن تصرعوا

والمشاقّة: المُشادة في الخصومة، كأنّها خصومة لا سبيل معها إلى الوفاق، إذ قد صار كلّ خصم في شِقّ غير شقّ الآخر.

وقرأ نافع { تشقونِ } ــــ بكسر النون ــــ على حذف ياء المتكلّم، أي تعاندونني، وذلك بإنكارهم ما أمرهم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وقرأ البقيّة { تَشاقّون } ــــ بفتح النون ــــ وحُذف المفعول للعلم، أي تعاندون من يدعوكم إلى التّوحيد.

و(في) للظرفيّة المجازيّة مع حذف مضاف، إذ المشاقّة لا تكون في الذوات بل في المعاني. والتّقدير: في إلهيتهم أو في شأنهم.

جملة ابتدائية حكت قول أفاضل الخلائق حين يسمعون قول الله تعالى على لسان ملائكة العذاب: { أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم }.

وجيء بجملة { قال الذين أوتوا العلم } غير معطوفة لأنها واقعة موقع الجواب لقوله: { أين شركائي } للتّنبيه على أنّ الّذين أوتوا العلم ابتدروا الجواب لما وجم المشركون فلم يحيروا جوابا، فأجاب الّذين أوتوا العلم جواباً جامعاً لنفي أن يكون الشركاء المزعومون مغنين عن الّذين أشركوا شيئاً، وأنّ الخزي والسوء أحاطا بالكافرين.

والتعبير بالماضي لتحقيق وقوع القول.

والّذين أوتوا العلم هم الذين آتاهم الله علم الحقائق من الرّسل والأنبياء ــــ عليهم الصلاة والسلام ــــ والمؤمنون، كقوله تعالى: { { وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث } [سورة الروم: 56]، أي يقولون في ذلك الموقف من جرّاء ما يشاهدوا من مُهيّأ العذاب للكافرين كلاماً يدلّ على حصر الخزي والضرّ يوم القيامة في الكون على الكافرين. وهو قصر ادعائي لبلوغ المُعرف بلام الجنس حدّ النّهاية في جنسه حتّى كأنّ غيره من جنسه ليس من ذلك الجنس.

وتأكيد الجملة بحرف التوكيد وبصيغة القصر والإتيان بحرف الاستعلاء الدّال على تمكّن الخزي والسوء منهم يفيد معنى التّعجّب من هول ما أعدّ لهم.