التفاسير

< >
عرض

فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
٧٤
-النحل

التحرير والتنوير

تفريع على جميع ما سبق من الآيات والعبر والمنن، إذ قد استقام من جميعها انفراد الله تعالى بالإلهية، ونفي الشريك له فيما خلق وأنعم، وبالأولى نفي أن يكون له ولد وأن يشبه بالحوادث؛ فلا جرم استتبّ للمقام أن يفرع على ذلك زجر المشركين عن تمثيلهم غير الله بالله في شيء من ذلك، وأن يمثّلوه بالموجودات.

وهذا جاء على طريقة قوله تعالى: { يا أيها الناس اعبدوا ربّكم الذي خلقكم } [سورة البقرة: 21] إلى قوله تعالى: { { فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون } [سورة البقرة: 22]، وقوله: { { وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم } [سورة يس: 78].

و{ الأمثال } هنا جمع مَثَل ــــ بفتحتين ــــ بمعنى المماثل، كقولهم: شبه بمعنى مشابه. وضرب الأمثال شاع استعماله في تشبيه حالة بحالة وهيئة بهيئة، وهو هنا استعمال آخر.

ومعنى الضرب في قولهم: ضَرب كذا مثلاً، بَيّنّاه عند قوله تعالى: { { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما } في سورة البقرة (26).

واللاّم في { لله } متعلقة بــــ{ الأمثال } لا بــــ{ تضربوا }، إذ ليس المراد أنهم يضربون مَثَل الأصنام بالله ضرباً للناس كقوله تعالى: { ضرب لكم مثلاً من أنفسكم } [سورة الروم: 28].

ووجه كون الإشراك ضرب مثل لله أنهم أثبتوا للأصنام صفات الإلهية وشبّهوها بالخالق، فإطلاق ضرب المثل عليه مثل قوله تعالى: { { وقالوا أءالهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً } [سورة الزخرف: 58]. وقد كانوا يقولون عن الأصنام هؤلاء شفعاؤنا عند الله، والملائكة هنّ بنات الله من سروات الجِنّ، فذلك ضرب مثل وتشبيه لله بالحوادث في التأثّر بشفاعة الأكفاء والأعيان والازدهاء بالبنين.

وجملة { إن الله يعلم } تعليل للنّهي عن تشبيه الله تعالى بالحوادث، وتنبيه على أن جهلهم هو الذي أوقعهم في تلك السخافات من العقائد، وأن الله إذ نهاهم وزجرهم عن أن يشبّهوه بما شبّهوه إنما نهاهم لعلمه ببطلان اعتقادهم.

وفي قوله تعالى: { وأنتم لا تعلمون } استدعاء لإعمال النّظر الصحيح ليصلوا إلى العلم البريء من الأوهام.