التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ
٨٦
وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٨٧
-النحل

التحرير والتنوير

{ الذين أشركوا } هم الذين ظلموا الذين يرون العذاب، وهم الذين كفروا الذين لا يؤذن لهم. وإجراء هذه الصّلات الثلاث عليهم لزيادة التسجيل عليهم بأنواع إجرامهم الراجعة إلى تكذيب ما دعاهم الله إليه، وهو نكتة الإظهار في مقام الإضمار هنا، كما تقدّم في قوله تعالى: { وإذا رءا الذين ظلموا العذاب } [سورة النحل: 85].

فالإشراك المقصود هنا هو إشراكهم الأصنام في صفة الإلهية مع الله تعالى، فيتعيّن أن يكون المراد بالشركاء الأصنام، أي الشركاء لله حسب اعتقادهم. وبهذا الاعتبار أضيف لفظ شركاء إلى ضمير { الذين ظلموا } في قوله تعالى: { شركاءهم }، كقول خالد بن الصقعب النهدي لعمرو بن معديكرب وقد تحدّث عَمْرو في مجلس قوم بأنه أغار على بني نهد وقتل خالداً، وكان خالد حاضراً في ذلك المجلس فناداه: مهلاً أبا ثور قتيلُك يسمع، أي قتيلك المزعوم، فالإضافة للتهكّم. والمعنى: إذا رأى الذين أشركوا الشركاء عندهم، أي في ظنّهم.

ولك أن تجعل لفظ «شركاء» لقباً زال منه معنى الوصف بالشركة وصار لقباً للأصنام، فتكون الإضافة على أصلها.

والمعنى: أنهم يرون الأصنام حين تقذف معهم في النار، قال تعالى: { { وقودها الناس والحجارة } [سورة البقرة: 24].

وقولهم: { ربنا هؤلاء شركاؤنا } إما من قبيل الاعتراف عن غير إرادة فضحاً لهم، كقوله تعالى: { يوم تشهد عليهم ألسنتهم } [سورة النور: 24]، وإما من قبيل التنصّل وإلقاء التّبعة على المعبودات كأنهم يقولون هؤلاء أغروَنا بعبادتهم من قبيل قوله تعالى: { { وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّأوا منا } [سورة البقرة: 167].

والفاء في { فألقوا } للتّعقيب للدّلالة على المبادرة بتكذيب ما تضمّنه مقالهم، أنطق الله تلك الأصنام فكذّبت ما تضمّنه مقالهم من كون الأصنام شركاء لله، أو من كون عبادتهم بإغراء منها تفضيحاً لهم وحسرة عليهم.

والجمع في اسم الإشارة واسم الموصول جمعُ العقلاء جرياً على اعتقادهم إلهية الأصنام.

ولما كان نطق الأصنام غير جار على المتعارف عبّر عنه بالإلقاء المؤذن بكون القول أجراه الله على أفواه الأصنام من دون أن يكونوا ناطقين فكأنه سقط منها.

وإسناد الإلقاء إلى ضمير الشركاء مجاز عقلي لأنها مَظهره.

وأجرى عليهم ضمير جمع العقلاء في فعل «ألقوا» مُشاكلةً لاسم الإشارة واسم الموصول للعقلاء.

ووصفهم بالكذب متعلّق بما تضمّنه كلامهم أن أولئك آلهة يُدعون من دون الله على نحو ما وقع في الحديث: "فيقال للنّصارى: ما كنتم تعبدون، فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم ما اتّخذَ الله من ولد" .

وأما صريح كلامهم وهو قولهم: { هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك } فهم صادقون فيه.

وجملة { إنكم لكاذبون } بدل من { القول }. وأعيد فعل { ألقَوا } في قوله: { وألقوا إلى الله يومئذٍ السلم } لاختلاف فاعل الإلقاء، فضمير القول الثاني عائد إلى { الذين أشركوا }.

ولك أن تجعل فعل { ألقوا } الثاني مماثلاً لفعل «ألقوا» السابق. ولك أن تجعل الإلقاء تمثيلاً لحالهم بحال المحارب إذا غُلب إذ يلقي سلاحه بين يدي غالبه، ففي قوله: { ألقوا } مكنية تمثيلية مع ما في لفظ { ألقوا } من المشاكلة.

و{ السلم } ــــ بفتح اللام ــــ: الاستسلام، أي الطاعة وترك العناد.

{ وضل عنهم ما كانوا يفترون } أي غاب عنهم وزايلهم ما كانوا يفترونه في الدنيا من الاختلافات للأصنام من أنها تسمع لهم ونحو ذلك.