التفاسير

< >
عرض

قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً
١٠٠
-الإسراء

التحرير والتنوير

اعتراض ناشىء عن بعض مقترحاتهم التي توهموا عدم حصولها دليلاً على انتفاء إرسال بَشيرٍ، فالكلام استئناف لتكملة رد شبهاتهم. وهذا رد لما تضمنه قولهم: { حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا } [الإسراء: 90] إلى قوله: { تفجيراً } [الإسراء: 91]، وقولهم: { أو يكون لك بيت من زخرف } [الإسراء: 93] من تعذر حصول ذلك لعظيم قيمته.

ومعنى الرد: أن هذا ليس بعظيم في جانب خزائن رحمة الله لو شاء أن يظهره لكم.

وأدمج في هذا الرد بيانُ ما فيهم من البخل عن الإنفاق في سبيل الخير. وأدمج في ذلك أيضاً تذكيرهم بأن الله أعطاهم من خزائن رحمته فكفروا نعمته وشكروا الأصنام التي لا نعمة لها. ويصلح لأن يكون هذا خطاباً للناس كلهم مؤمنهم وكافرهم كل على قدر نصيبه.

وشأن (لو) أن يليها الفعل ماضياً في الأكثر أو مضارعاً في اعتبارات، فهي مختصة بالدخول على الأفعال، فإذا أوقعوا الاسم بعدها في الكلام وأخروا الفعل عنه فإنما يفعلون ذلك لقصدٍ بليغ: إما لقصد التقوي والتأكيد للإشعار بأن ذكر الفعل بعد الأداة ثم ذكر فاعله ثم ذكر الفعل مرةً ثانية تأكيدٌ وتقويةٌ؛ مثل قوله: { وإن أحد من المشركين استجارك } [التوبة: 6] وإما للانتقال من التقوي إلى الاختصاص، بناءً على أنه ما قدم الفاعل من مكانه إلا لمقصد طريققٍ غير مطروق. وهذا الاعتبار هو الذي يتعين التخريج عليه في هذه الآية ونحوها من الكلام البليغ، ومنه قول عُمر لأبي عبيدة لَوْ غيرُك قالها.

والمعنى: لو أنتم اختصصتم بملك خزائن رحمة الله دون الله لَما أنفقتم على الفقراء شيئاً. وذلك أشد في التقريع وفي الامتنان بتخييل أن إنعام غيره كالعدم.

وكلا الاعتبارين لا يُنَاكد اختصاص (لو) بالأفعال للاكتفاء بوقوع الفعل في حَيزها غيرَ مُوال إياها وموالاته إياها أمر أغلبي، ولكن لا يجوز أن يقال: لو أنت عالم لبذذت الأقران.

واختير الفعل المضارع لأن المقصود فرض أن يملكوا ذلك في المستقبل.

و{ أمسكتم } هُنا منزل منزلة اللازم فلا يقدر له مفعول، لأن المقصود: إذن لاتصفتم بالإمساك، أي البخل. يقال: فلان مُمسك، أي بخيل. ولا يراد أنه ممسك شيئاً معيناً.

وأكد جواب (لو) بزيادة حرف (إذن) فيه لتقوية معنى الجوابية، ولأن في (إذن) معنى الجزاء كما تقدم آنفاً عند قوله: { قل لو كان معه آلهة كما تقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } [الإسراء: 42]. ومنه قول بشر بن عَوانة:

أفاطم لو شهدت ببطن خَبْتٍوقد لاقَى الهزبرُ أخاكِ بِشرَا
إذن لرأيتِ لَيْثا أمَّ لَيثاهِزَبْرا أغلباً لاقَى هِزبرا

وجملة { وكان الإنسان قتوراً } حالية أو اعتراضية في آخر الكلام، وهي تفيد تذييلاً لأنها عامةُ الحكم. فالواو فيها ليست عاطفة.

والقتور: الشديد البخل، مشتق من القتر وهو التضييق في الإنفاق.