إتمام لإثبات قلة غَناء آلهتهم عنهم تبعاً لقوله:
{ ويكونون عليهم ضداً } [مريم: 82].فجملة: { لا يملكون الشّفاعة } هو مبدأ الكلام، وهو بيان لجملة: { ويكونون عليهم ضداً }.
والظرف وما أضيف الظرف إليه إدماجٌ بينت به كرامة المؤمنين وإهانة الكافرين. وفي ضمنه زيادة بيان لجملة { ويكونون عليهم ضداً } بأنهم كانوا سبب سَوقهم إلى جهنم ورداً ومخالفتهم لحال المؤمنين في ذلك المشهد العظيم. فالظرف متعلّق بــــ{ يملكون }.
وضمير { لا يملكون } عائد للآلهة. والمعنى: لا يقدرون على أن ينفعوا من اتخذوهم آلهة ليكونوا لهم عزّاً.
والحشر: الجمع مطلقاً، يكون في الخير كما هنا، وفي الشرّ كقوله:
{ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم } [الصافات: 22، 23]، ولذلك أتبع فعل { نحشر } بقيد { وَفداً }، أي حَشْر الوفود إلى الملوك، فإن الوفود يكونون مُكرمين، وكانت لملوك العرب وكرمائهم وفود في أوقات، ولأعيان العرب وفادات سنويّة على ملوكهم وسادتهم، ولكلّ قبيلة وفادة، وفي المثل: «إن الشّقِيّ وافد البراجم». وقد اتّبع العرب هذه السنّة فوفدوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنّه أشرف السادة. وسنةُ الوفود هي سنة تسع من الهجرة تلت فتحَ مكة بعموم الإسلام بلاد العرب.وذكر صفة { الرَّحمان } هنا واضحة المناسبة للوفد.
والسوق: تسيير الأنعام قُدام رعاتها، يجعلونها أمَامهم لترهب زجرهم وسياطهم فلا تتفلّت عليهم، فالسوق: سير خوفٌ وحذر.
وقوله { ورداً } حال قصد منها التشبيه، فلذلك جاءت جامدة لأن معنى التشبيه يجعلها كالمشتق.
والوِرد ــــ بكسر الواو ــــ: أصله السير إلى الماء، وتسمى الأنعامُ الواردة وِرداً تسمية على حذف المضاف، أي ذات ورد، كما يسمى الماء الذي يرده القوم ورداً. قال تعالى:
{ { وبئس الورد المورود } [هود: 98].والاستثناء في { إلاّ من اتخذ عند الرحمان عهداً } استثناء منقطع، أي لكن يملك الشفاعة يومئذ من اتخذ عند الرحمان عهداً، أي من وعده الله بأن يشفع وهم الأنبياء والملائكة.
ومعنى { لا يملكون } لا يستطيعون، فإنّ المِلك يطلق على المقدرة والاستطاعة. وقد تقدّم عند قوله تعالى:
{ { قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً } في سورة العقود (76).