التفاسير

< >
عرض

فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ
٥٨
قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ
٥٩
قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ
٦٠
قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ
٦١
-الأنبياء

التحرير والتنوير

الضميران البارزان في { جعلهم } وفي { لهم } عائدان إلى الأصنام بتنزيلها منزلة العاقل، وضمير { لعلهم } عائد إلى قوم إبراهيم، والقرينة تصرف الضمائر المتماثلة إلى مصارفها مثل ضميري الجمع في قوله تعالى { { وعمروها أكثر مما عمروها } [الروم: 9].

والجُذاذ ــــ بضم الجيم ــــ في قراءة الجمهور: اسم جمع جُذاذة، وهي فُعالة من الجذّ، وهو القطع مثل قُلامة وكُناسة، أي كسرهم وجعلهم قطعاً. وقرأ الكسائي { جِذاذاً } ــــ بكسر الجيم ــــ على أنه مصدر، فهو من الإخبار بالمصدر للمبالغة.

قيل: كانت الأصنام سبعين صنماً مصطفة ومعها صنم عظيم وكان هو مقابل باب بيت الأصنام، وبعد أن كسرها جعل الفأس في رقبة الصنم الأكبر استهزاء بهم.

ومعنى { لعلهم إليه يرجعون } رجاء أن يرجع الأقوام إلى استشارة الصنم الأكبر ليخبرهم بمن كسر بقية الأصنام لأنه يعلم أن جهلهم يطمعهم في استشارة الصنم الكبير. ولعل المراد استشارة سدنته ليخبروهم بما يتلقونه من وحيه المزعوم.

وضمير { لهم }عائد إلى الأصنام من قوله { { أصنامكم } [الأنبياء: 57]. وأجري على الأصنام ضمير جمع العقلاء محاكاة لمعنى كلام إبراهيم لأن قومه يحسبون الأصنام عقلاء، ومثله ضمائر قوله بعده { { بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون } [الأنبياء: 63].

وهذا العمل الذي عمله إبراهيم عمله بعد أن جادل أباه وقومه في عبادة الأصنام والكواكب ورأى جماحهم عن الحجة الواضحة كما ذكر في سورة الأنعام.

وقول قومه { من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين } يدل على أنهم لم يخطر ببالهم أن يكون كبير الآلهة فَعل ذلك، وهؤلاء القوم هم فريق لم يسمع توعد إبراهيم إياهم بأن يكيد أصنامهم والذين { قالوا سمعنا فتى يذكرهم } هم الذين توعد إبراهيم الأصنام بمسمع منهم.

والفتى: الذكر الذي قوي شبابه. ويكون من الناس ومن الإبل. والأنثى: فتاة، وقد يطلقونه صفة مدح دالة على استكمال خصال الرجل المحمودة.

والذكر: التحدث بالكلام.

وحذف متعلق «يذكر» لدلالة القرينة عليه، أي يذكرهم بتوعد. وهذا كقوله تعالى: { { أهذا الذي يذكر آلهتكم } [الأنبياء: 36] كما تقدم.

وموضع جملتي { يذكرهم }و{ يقال له }في موضع الصفة لــــ { فتىً }.

وفي قولهم يقال له إبراهيم } دلالة على أن المنتصبين للبحث في القضية لم يكونوا يعرفون إبراهيم، أو أن الشهداء أرادوا تحقيره بأنه مجهول لا يعرف وإنما يُدعى أو يسمى إبراهيم، أي ليس هو من الناس المعروفين.

ورُفع { إبراهيمُ }على أنه نائب فاعللِ { يُقال }، لأن فعل القول إذا بني إلى المجهول كثيراً ما يضمن معنى الدعوة أو التسمية، فلذلك حصلت الفائدة من تعديته إلى المفرد البحت وإن كان شأن فعل القول أن لا يتعدّى إلا إلى الجملة أو إلى مفرد فيه معنى الجملة مثل قوله تعالى: { كلا إنها كلمة هو قائلها } [المؤمنون: 100].

ومعنى { على أعين الناس } على مشاهدة الناس، فاستعير حرف الاستعلاء لتمكن البصر فيه حتى كأنّ المرئي مظروف في الأعين.

ومعنى { يشهدون }لعلهم يشهدون عليه بأنه الذي توعد الأصنام بالكيد.