التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ
٩
-الأنبياء

التحرير والتنوير

{ ثم } عاطفة الجملة على الجمل السابقة فهي للترتيب الرتبي. والمعنى: وأهَمُّ مما ذكر أنّا صدقناهم الوعد فأنجيناهم وأهلكنا الذين كذبوهم. ومضمون هذا أهم في الغرضين التبشير والإنذار. فالتبشيرُ للرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بأن الله صادِقُه وعده من النصر، والإنذارُ لمَن ماثَل أقوامَ الرسل الأولين.

والمراد بالوعد وعدم النصرَ على المكذبين بقرينة قوله تعالى { فأنجيناهم } المُؤذننِ بأنه وعد عذابٍ لأقوامهم، فالكلام مسوق مساق التنويه بالرسل الأولين، وهو تعريض بوعيد الذين قالوا { { فليأتنا بآية كما أرسل الأولون } [الأنبياء: 5]. وفي هذا تقريع للمشركين، أي إنْ كان أعجبكم ما أتى به الأولون فسألتم من رسولكم مثله فإن حالكم كحال الذين أرسلوا إليهم فترقبوا مثلَ ما نزل بهم ويترقب رسولكم مثل ما لقي سلفه. وهذا كقوله تعالى: { قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين } في سورة [يونس: 102] وانتصب الوعد بــــ{ صدقناهم } على التوسع بنزع حرف الجر. وأصل الاستعمال أن يقال: صدقناهم في الوعد، لأن (صدَق) لا يتعدى إلا إلى مفعول واحدٍ. وهذا الحذف شائع في الكلام ومنه في مثل هذا ما في المثل «صَدقَني سِنَّ بَكْرِه»

والإتيان بصيغة المستقبل في قوله تعالى { من نشاء } احتباك، والتقدير: فأنجيناهم ومَن شئنا ونُنْجِي رسولنا ومن نشاء منكم، وهو تأميل لهم أن يؤمنوا لأن من المكذبين يوم نزول هذه الآية مَن آمنوا فيما بعد إلى يوم فتح مكة.

وهذا من لطف الله بعباده في ترغيبهم في الإيمان، ولذلك لم يقل: ونهلك المسرفين، بل عاد إلى صيغة المضي الذي هو حكاية لما حلّ بالأمم السالفة وبقي المقصود من ذكر الذين أهلكوا وهو التعريض بالتهديد والتحذير أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك مع عدم التصريح بالوعيد.

والمسرفون: المفْرِطون في التكذيب بالإصرار والاستمرار عليه حتى حل بهم العذاب.