التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ
١٠١
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٠٢
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ
١٠٣
تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ
١٠٤
-المؤمنون

التحرير والتنوير

تفريع على قوله { { إلى يوم يبعثون } [المؤمنون: 100] فإن زمن النفخ في الصور هو يوم البعث فالتقدير: فإذا جاء يوم يبعثون، ولكن عدل عن ذلك إلى { فإذا نفخ في الصور } تصوير لحالة يوم البعث.

والصور: البوق الذي ينفخ فيه النافخ للتجمع والنفير، وهو مما ينادى به للحرب وينادى به للصلاة عند اليهود كما جاء في حديث بدء الأذان من «صحيح البخاري». وتقدم ذكر الصور عند قوله تعالى: { { وله الملك يوم ينفخ في الصور } في سورة الأنعام (73).

وأسند { نُفِخ } إلى المجهول لأن المعتنى به هو حدوث النفخ لا تعيين النافخ. وإنما يُنفخ فيه بأمر تكوين من الله تعالى، أو ينفخ فيه أحد الملائكة وقد ورد أنه الملك إسرافيل.

والمقصود التفريع الثاني في قوله { فمن ثقلت موازينه } إلى آخره لأنه مناط بيان الرد على قول قائلهم { { رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } [المؤمنون: 99، 100] المردود إجمالاً بقوله تعالى { { كلا إنها كلمة هو قائلها } [المؤمنون: 100] فقدم عليه ما هو كالتمهيد له وهو قوله { فلا أنساب بينهم } إلى آخره مبادرة بتأييسهم من أن تنفعهم أنسابهم أو استنجادهم.

والأظهر أن جواب (إذا) هو قوله الآتي { { قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين } [المؤمنون: 112] كما سيأتي وما بينهما كله اعتراض نشأ بعضه عن بعض.

وضمير { بينهم } عائد إلى ما عادت عليه ضمائر جمع الغائبين قبله وهي عائدة إلى المشركين.

ومعنى نفي الأنساب نفي آثارها من النجدة والنصر والشفاعة لأن تلك في عرفهم من لوازم القرابة. فقوله { فلا أنساب بينهم } كناية عن عدم النصير.

والتساؤل: سؤال بعضهم بعضاً. والمعنيّ به التساؤل المناسب لحلول يوم الهول، وهو أن يسأل بعضهم بعضاً المعونة والنجدة، كقوله تعالى { { ولا يسأل حميم حميماً } [المعارج: 10].

وأما إثبات التساؤل يومئذ في قوله تعالى { { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوماً طاغين فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون } [الصافات: 27 ـــ 33] فذلك بعد يأسهم من وجود نصير أو شفيع. وفي «البخاري»: أن رجلاً (هو نافع بن الأزرق الخارجي) قال لابن عباس: إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي قال { فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون } وقال { { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } [الصافات: 27] فقال ابن عباس: أما قوله { فلا أنساب بينهم } فهو في النفخة الأولى فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون، ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون اهــــ. يريد اختلاف الزمان وهو قريب مما قلناه.

وذكر من { ثقلت موازينه } في هذه الآية إدماج للتنويه بالمؤمنين وتهديد المشركين لأن المشركين لا يجدون في موازين الأعمال الصالحة شيئاً، قال تعالى: { { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً } [الفرقان: 23]. وتقدم الكلام على نظير قوله { { فمن ثقلت موازينه } في أول سورة الأعراف (8).

والخسارة: نقصان مال التجارة وتقدم في قوله تعالى: { الذين خسروا أنفسهم } في سورة الأنعام (12)، وقوله { { فأولئك الذين خسروا أنفسهم } في أول الأعراف (9). وهي هنا تمثيل لحال خيبتهم فيما كانوا يأملونه من شفاعة أصنامهم وأن لهم النجاة في الآخرة أو من أنهم غير صائرين إلى البعث، فكذبوا بما جاء به الإسلام وحسبوا أنهم قد أعدوا لأنفسهم الخير فوجدوا ضده فكانت نفوسهم مخسورة كأنها تَلِفَت منهم. ولذلك نصب { أنفسهم } على المفعول بــــ{ خسروا }. واسما الإشارة لزيادة تمييز الفريقين بصفاتهم.

وجملة { تلفح وجوههم النار } في موضع الحال من { الذين خسروا أنفسهم }. ومعنى { تلفح وجوههم النار } تحرق. واللفح: شدة إصابة النار.

والكالح: الذي به الكلوح وهو تقلص الشفتين وظهور الأسنان من أثر تقطب أعصاب الوجه عند شدة الألم.