التفاسير

< >
عرض

بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ
٦٣
-المؤمنون

التحرير والتنوير

إضراب انتقال إلى ما هو أغرب مما سبق وهو وصف غمرة أخرى انغمس فيها المشركون فهم في غمرة غمرت قلوبهم وأبعدتها عن أن تتخلق بخلق الذين هم من خشية ربهم مشفقون كيف وأعمالهم على الضد من أعمال المؤمنين تناسب كفرهم، فكل يعمل على شاكلته.

فحرف (من) في قوله: { من هذا } يوهم البدلية، أي في غمرة تباعدهم عن هذا.

والإشارة بــــ{ هذا } إلى ما ذكر آنفاً من صفات المؤمنين في قوله: { { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون } [المؤمنون: 57]. إلى قوله: { { وهم لها سابقون } [المؤمنون: 61].

و{ دون } تدل على المخالفة لأحوال المؤمنين، أي ليسوا أهلاً للتحلي بمثل تلك المكارم.

وقوله: { ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون } يبين (هذا)، أي وأعمالهم التي يعملونها غير ذلك. ويذكرني هذا قول محمد بن بشير الخارجي في مدح عروة بن زيد الخيل:

يا أيها المتمني أن يكون فتىمثل ابن زيد لقد أخلى لك السبلا
أعدِدْ فضائل أخلاق عُدِدْنَ لههل سَبّ من أحد أو سُب أو بخلا
إن تنفق المال أو تكلَف مَسَاعيَهيشفقْ عليك وتفعل دون ما فعلا

ولام { لهم أعمال } للاختصاص. وتقديم المجرور بها على المبدأ لقصر المسند إليه على المسند، أي لهم أعمال لا يعملون غيرها من أعمال الإيمان والخيرات.

ووُصف { أعمال } بجملة { هم لها عاملون } للدلالة على أنهم مستمرون عليها لا يقلعون عنها لأنهم ضروا بها لكثرة انغماسهم فيها.

وجيء بالجملة الاسمية لإفادة الدوام على تلك الأعمال وثباتهم عليها.

ويجوز أن يكون تقديم { لها } على { عاملون } لإفادة الاختصاص لقصر القلب، أي لا يعملون غيرها من الأعمال الصالحة التي دعوا إليها. ويجوز أن يكون للرعاية على الفاصلة لأن القصر قد أفيد بتقديم المسند إليه.