كانت الرحمة غالبة على النبي صلى الله عليه وسلم والشفقة على الأمة من خلاله، فلما أُنذر المكذبون بهذا الوعيد تحركت الشفقة في نفس الرسول عليه الصلاة والسلام فربط الله على قلبه بهذا التشجيع أن لا يحزن عليهم إذا أصابهم ما أنذروا به. وكان من رحمته صلى الله عليه وسلم حرصه على إقلاعهم عما هم عليه من تكذيبه والمكر به، فألقى الله في روعه رباطة جأش بقوله { ولا تكن في ضيق مما يمكرون }.
والضيق: بفتح الضاد وكسرها، قرأه الجمهور بالفتح، وابن كثير بالكسر. وحقيقته: عدم كفاية المكان أو الوعاء لما يراد حلوله فيه، وهو هنا مجاز في الحالة الحرجة التي تعرض للنفس عند كراهية شيء فيحس المرء في مجاري نفسه بمثل ضيق عرض لها. وإنما هو انضغاط في أعصاب صدره. وقد تقدم عند قوله
{ { ولا تك في ضيق مما يمكرون } في آخر سورة النحل (127). والظرفية مجازية، أي لا تكن ملتبساً ومحوطاً بشيء من الضيق بسبب مكرهم.
والمكر تقدم عند قوله تعالى
{ { ومكروا ومكر الله } في سورة آل عمران (54). و(ما) مصدرية، أي من مكرهم.