التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ
١٠٨
وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ
١٠٩
-آل عمران

التحرير والتنوير

تذييلات، والإشارة في قوله { تلك } إلى ائفة من آيات القرآن السابقة من هذه السورة كما اقتضاه قوله { نتلوها عليك بالحق }.

والتلاوة اسم لحكاية كلام لإرادة تبليغه بلفظه وهي كالقراءة إلاّ أن القراءة تختصّ بحكاية كلام مكتوب فيتّجه أن تكون الطائفة المقصودة بالإشارة هي الآيات المبدوءة بقوله تعالى { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } [آل عمران: 59] إلى هنا لأن ما قبله ختم بتذييل قريب من هذا التذييل، وهو قوله { ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم } [آل عمران: 58] فيكون كل تذييل مستقلاً بطائفة الجمل الَّتي وقع هو عقبها.

وخصّت هذه الطائفة من القرآن بالإشارة لما فيها من الدلائل المثبتة صحة عقيدة الإسلام، والمبطلة لدعاوي الفرق الثلاث من اليهود والنَّصارى والمشركين، مثل قوله { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } [آل عمران: 59] وقوله { ومَا من إله إلاّ إله واحد } [المائدة: 74] الآية. وقوله { فلِمَ تُحاجّون فيما ليس لكم به علم } [آل عمران: 66] الآية. وقوله { إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه } [آل عمران: 68] الآية. وقوله { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوءة } [آل عمران: 79] الآية. وقوله { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } [آل عمران: 81] الآية. وقوله { فأتوا بالتَّوراة فاتلوها } [آل عمران: 93] وقوله { إنّ أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً } [آل عمران: 96]، وما تخلّل ذلك من أمثال ومواعظ وشواهد.

والباء في قوله { بالحق } للملابسة، وهي ملابسة الإخبار للمخبَر عنه، أي لما في نفس الأمر والواقع، فهذه الآيات بيّنت عقائد أهل الكتاب وفصّلت أحوالهم في الدنيا والآخرة.

ومن الحقّ استحقاق كلا الفريقين لما عومل به عدلاً من الله، ولذا قال { وما الله يريد ظلماً للعالمين } أي لا يريد أن يظلم النَّاس ولو شاء ذلك لفعله، لكنَّه وعَد بأن لا يظلم أحداً فحقّ وعدُه، وليس في الآية دليل للمعتزلة على استحالة إرادة الله تعالى الظلم إذ لا خلاف بيننا وبين المعتزلة في انتفاء وقوعه، وإنَّما الخلاف في جواز ذلك واستحالته.

وجيء بالمسند فعلاً لإفادة تقوي الحكم، وهو انتفاء إرادة ظلم العالمين عن الله تعالى، وتنكير (ظلماً) في سياق النَّفي يدلّ على انتفاء جنس الظلم عن أن تتعلّق به إرادة الله، فكلّ ما يعدّ ظلماً في مجال العقول السليمة منتف أن يكون مراد الله تعالى.

وقوله { ولله ما في السماوات وما في الأرض } [البقرة: 284] عطف على التذييل: لأنَّه إذا كان له ما في السموات وما في الأرض فهو يريد صلاح حالهم، ولا حاجة له بإضرارهم إلا للجزاء على أفعالهم. فلا يريد ظلمهم، وإليه ترجع الأشياء كُلّها فلا يفوته ثواب محسن ولا جزاء مسيء.

وتكرير اسم الجلالة ثلاث مرات في الجمل الثلاث التي بعد الأولى بدون إضمار للقصد إلى أن تكون كلّ جملة مستقلّة الدلالة بنفسها، غير متوقّفة على غيرها، حتَّى تصلح لأن يتمثّل بها، وتستحضرها النُّفوس وتحفظها الأسماع.