التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ
٢٧
-السجدة

التحرير والتنوير

عطف على { { أو لم يَهْدِ لهم } [السجدة: 26]. ونيط الاستدلال هنا بالرؤية لأن إحياء الأرض بعد موتها ثم إخراج النبت منها دلالة مشاهدة. واختير المضارع في قوله { نسوق } لاستحضار الصورة العجيبة الدالة على القدرة الباهرة.

والسَّوْق: إزجاء الماشي مِن ورائه.

و{ الماء }: ماء المزن، وسوقه إلى الأرض هو سوق السحاب الحاملة إياه بالرياح التي تنقل السحاب من جوّ إلى جوّ؛ فشبهت هيئة الرياح والسحاب بهيئة السائق للدابة. والتعريف { في الأرض } تعريف الجنس.

و{ الجُرُز }: اسم للأرض التي انقطع نبتها، وهو مشتق من الجَرز، وهو: انقطاع النبت والحشيش، إما بسبب يُبس الأرض أو بالرَّعي، والجَرز: القطع. وسمي السيف القاطع جُرازاً، قال الراجز يصف أسنان ناقة:

تنحي على الشوك جُرَازاً مِقضباًوالهَرْم تذريه إذْدِراءً عجباً

فالأرض الجرز: التي انقطع نبتها. ولا يقال للأرض التي لا تنبت كالسباخ جُرز. والزرع: ما نبت بسبب بذر حبوبه في الأرض كالشعير والبر والفِصفصة وأكل الأنعام غالبه من الكلأ لا من الزرع فذكر الزرع بلفظه، ثم ذكر أكل الأنعام يدلّ على تقدير: وكَلأً. ففي الكلام اكتفاء. والتقدير: ونخرج به زرعاً وكَلأً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم. والمقصود: الاستدلال على البعث وتقريبه وإمكانه بإخراج النبت من الأرض بعد أن زال؛ فوجه الأول. وأدمج في هذا الاستدلال امتنان بقوله { تأكل منه أنعامهم وأنفسهم }. ثم فرع عليه استفهام تقريري بجملة { أفلا يبصرون }. وتقدم بيان مثله آنفاً في قوله { أفلا يسمعون } [السجدة: 26]. ونيط الحكم بالإبصار هنا لأن دلالة إحياء الأرض بعد موتها دلالة مشاهدة.