التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ
٤
-السجدة

التحرير والتنوير

لما كان الركن الأعظم من أركان هدى الكتاب هو إثبات الوحدانية للإله وإبطال الشرك عُقب الثناء على الكتاب بإثبات هذا الركن.

وجيء باسم الجلالة مبتدأ لإحضاره في الأذهان بالاسم المختص به قطعاً لدابر عقيدة الشريك في الإلهية، وخَبَرُ المبتدأ جملة { ما لكم من دونه من وليّ ولا شفيع }، ويكون قوله: { الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما } صفة لاسم الجلالة.

وجيء باسم الموصول للإيماء إلى وجه بناء الخبر وأنه الانفراد بالربوبية لجميع الخلائق في السماوات والأرض وما بينهما، ومن أولئك المشركون المعنيون بالخبر، والخطاب موجه إلى المشركين على طريقة الالتفات.

والوليّ: مشتق من الولاء، بمعنى: العهد والحلف والقرابة. ومن لوازم حقيقة الولاء النصر والدفاع عن المولَى. وأُريد بالولي: المشارك في الربوبية.

والشفيع: الوسيط في قضاء الحوائج من دفع ضرّ أو جلب نفع. والمشركون زعموا أن الأصنام آلهة شركاء لله في الإلهية ثم قالوا: { { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [يونس: 18] وقالوا: { { ما نعبدهم إلا لِيُقَرِّبونا إلى الله زُلفىٰ } [الزمر: 3].

و{ مِن } في قوله { من دونه } ابتدائية في محل الحال من ضمير { لكم }، و(دون) بمعنى (غَير)، و{ مِن } في قوله { من ولي } زائدة لتأكيد النفي، أي: لا وليّ لكم ولا شفيع لكم غير الله فلا ولاية للأصنام ولا شفاعة لها إبطالاً لما زعموه لأصنامهم من الوصفين إبطالاً راجعاً إلى إبطال الإلهية عنها. وليس المراد أنهم لا نصير لهم ولا شفيع إلا الله لأن الله لا ينصرهم على نفسه ولا يشفع لهم عند نفسه، قال الله تعالى: { { ذلك بأن الله مولَى الذين ءامنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم } [محمد: 11] وقال: { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } [البقرة: 255].

وتقدم تفسير نظيره { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش } وبيان تأويل { { ثم استوى على العرش } في سورة الأعراف(54).

وفُرّع على هذا الدليل إنكارٌ على عدم تدبرهم في ذلك وإهمالهم النظر بقوله: { أفلا تتذكرون } فهو استفهام إنكاري. والتذكر: مشتق من الذُكر الذي هو بضم الذال وهو التفكر والنظر بالعقل.