التفاسير

< >
عرض

قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً
١٨
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً
١٩
-الأحزاب

التحرير والتنوير

استئناف بياني ناشىء عن قوله { من ذا الذي يعصمكم من الله } [الأحزاب: 17] لأن ذلك يثير سؤالاً يهجس في نفوسهم أنهم يُخفون مقاصدهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يشعر بمرادهم من الاستئذان، فأُمر أن يقول لهم { قد يعلم الله المعوِّقين منكم }أي: فالله ينبىء رسوله بكم بأن فِعْل أولئك تعويق للمؤمنين. وقد جعل هذا الاستئناف تخلصاً لذكر فريق آخر مِن المعوّقين.

و{ قد } مفيد للتحقيق لأنهم لنفاقهم ومَرض قلوبهم يشكّون في لازم هذا الخبر وهو إنباء الله رسوله عليه الصلاة والسلام بهم، أو لأنهم لجهلهم الناشىء عن الكفر يظنون أن الله لا يعلم خفايا القلوب. وذلك ليس بعجيب في عقائد أهل الكفر. ففي «صحيح البخاري» عن ابن مسعود: «اجتمع عند البيت قُرشيان وثقفيّ أو ثقفيان وقرشي كثيرةٌ شُحمُ بطونهم قليلةٌ فِقهُ قلوبهم، فقال أحدهم: أتُرَوْنَ أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إذا أخفينا. وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا، فأنزل الله تعالى: { { وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جُلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون } [فصلت: 22] فللتوكيد بحرف التحقيق موقع. ودخول { قد }على المضارع لا يخرجها عن معنى التحقيق عند المحققين من أهل العربية، وأن ما توهموه من التقليل إنما دل عليه المقام في بعض المواضع لا من دلالة { قد، }ومثله إفادة التكثير، وتقدم ذلك عند قوله تعالى { { قد نرى تقلب وجهك في السماء } في سورة البقرة (144)، وقوله تعالى: { { قد يعلم ما أنتم عليه } في آخر سورة النور (64).

والمعوِّق: اسم فاعل من عَوّق الدال على شدة حصول العَوْق. يقال: عاقه عن كذا، إذا منعه وثبطه عن شيء، فالتضعيف فيه للشدة والتكثير مثل: قطَّع الحبل، إذا قطعه قطعاً كبيرة، { وغلَّقَت الأبواب } [يوسف: 23]، أي: أحكمت غلقها. ويكون للتكثير في الفعل القاصر مثل: مَوَّت المال، إذ كثر الموت في الإبل، وطوَّف فلان، إذا أكثر الطواف، والمعنى: يعلم الله الذين يحرصون على تثبيط الناس عن القتال. والخطاب بقوله { منكم } للمنافقين الذين خوطبوا بقوله { لن ينفعكم الفرار } [الأحزاب: 16].

ويجوز أن يكون القائلون لإخوانهم { هلمّ إلينا هم المعوِّقين أنفسهم فيكون من عطف صفات الموصوف الواحد، كقوله:

إلى الملك القرْم وابنِ الهمام

ويجوز أن يكونوا طائفة أخرى وإخوانهم هم الموافقون لهم في النفاق، فالمراد: الأخوة في الرأي والدين. وذلك أن عبد الله بن أُبَيّ، ومعتِّب بن قُشير، ومن معهما من الذين انخذلوا عن جيش المسلمين يوم أُحُد فرجعوا إلى المدينة كانوا يرسلون إلى من بقي من المنافقين في جيش المسلمين يقولون لهم { هلمّ إلينا }أي: ارجعوا إلينا. قال قتادة: هؤلاء ناس من المنافقين يقولون لهم: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رَأس (أي نفر قليل يأكلون رأس بعير) ولو كانوا لَحْماً لالتهمهم أبو سفيان ومن معه (تمثيلاً بأنهم سهل تغلب أبي سفيان عليهم).

و{ هلمّ } اسم فعلِ أمر بمعنى أقْبِل في لغة أهل الحجاز وهي الفصحى، فلذلك تلزم هذه الكلمة حالة واحدة عندهم لا تتغير عنها، يقولون: هلمّ، للواحد والمتعدد المذكّر والمؤنّث، وهي فعل عند بني تميم فلذلك يُلحقونها العلامات يقولون: هَلمّ وهلمّي وهَلُما وهَلمُّوا وهلْمُمْن. وتقدم في قوله تعالى { قل هلمّ شهداءكم } في سورة الأنعام (150). والمعنى: انخذلوا عن جيش المسلمين وأقبلوا إلينا.

وجملة ولا يأتون البأس إلا قليلاً } كلام مستقل فيجوز أن تكون الجملة حالاً من القائلين لإخوانهم { هلمّ إلينا. } ويجوز أن تكون عطفاً على المعوّقين والقائلين لأن الفعل يعطف على المشتق كقوله تعالى { { فالمغيرات صُبحاً فأثَرْنَ } [العاديات: 3، 4] وقوله: { { إنّ المصَّدِّقين والمصَّدِّقات وأقرضوا الله } [الحديد: 18]، فالتقدير هنا: قد يعلم الله المعوّقين والقائلين وغيرَ الآتين البأس، أو والذين لا يأتون البأس. وليس في تعدية فعل العلم إلى { لا يأتون }إشكال لأنه على تأويل كما أن عمل الناسخ في قوله { { وأقرضوا } [الحديد: 18] على تأويل، أي: يعلم الله أنهم لا يأتون البأس إلا قليلاً، أي: يعلم أنهم لا يقصدون بجمع إخوانهم معهم الاعتضادَ بهم في الحرب ولكن عزلهم عن القتال.

ومعنى { إلا قليلاً } إلا زماناً قليلاً، وهو زمان حضورهم مع المسلمين المرابطين، وهذا كقوله { { فلا يؤمنون إلا قليلاً } [النساء: 46]، أي: إيماناً ظاهراً، ومثل قوله تعالى: { { أم بظاهر من القول } [الرعد: 33]. و{ قليلاً } صفة لمصدر محذوف، أي: إتياناً قليلاً، وقلّته تظهر في قلة زمانه وفي قلة غنائه.

و{ البأس }: الحرب وتقدم في قوله تعالى { { لِيُحصِنَكُم من بأسكم } في سورة الأنبياء (80). وإتيان الحرب مراد به إتيان أهل الحرب أو موضعها. والمراد: البأس مع المسلمين، أي: مكراً بالمسلمين لا جبْناً.

و{ أشِحَّة } جمع شحيح بوزن أفعلة على غير قياس وهو فصيح وقياسه أشِحّاء. وضمير الخطاب في قوله { عليكم } للرسول عليه الصلاة والسلام وللمسلمين، وهو انتقال من القول الذي أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يقوله لهم إلى كشف أحوالهم للرسول والمسلمين بمناسبة الانتقال من الخطاب إلى الغيبة في قوله { ولا يأتون البأس } وتقدم الشح عند قوله تعالى { { وأُحضرت الأنفس الشح } في سورة النساء (128).

و{ أشحةً } حال من ضمير { يأتون } والشحّ: البخل بما في الوسع مما ينفع الغير. وأصله: عدم بذل المال، ويستعمل مجازاً في منع المقدور من النصر أو الإعانة، وهو يتعدّى إلى الشيء المبخول به بالباء وبــــ { على } قال تعالى: { أشّحة على الخير } ويتعدى إلى الشخص الممنوع بــــ { على } أيضاً لما في الشحّ من معنى الاعتداء فتعديته في قوله تعالى { أشحة عليكم } من التعدية إلى الممنوع.

والمعنى: يمنعونكم ما في وسعهم من المَال أو المعونة، أي: إذا حضروا البأس منعوا فائدتهم عن المسلمين ما استطاعوا ومن ذلك شحّهم بأنفسهم وكل ما يُشحّ به.

ويجوز جعل { على } هنا متعدية إلى المضنون به، أي كما في البيت الذي أنشده الجاحظ:

لقد كنت في قوم عليك أشحةبنفسك إلا أنَّ ما طاح طائح

وجعل المعنى: أشحة في الظّاهر، أي يظهرون أنهم يخافون عليكم الهلاك فيصدونكم عن القتال ويحسِّنون إليكم الرجوع عن القتال، وهذا الذي ذهب إليه في «الكشاف». وفُرع على وصفهم بالشح على المسلمين قوله { فإذا جاء الخوف } إلى آخره.

والمجيء: مجاز مشهور من حدوث الشيء وحصوله. كما قال تعالى { { فإذا جاء وعدُ الآخرة } [الإسراء: 7].

و{ الخوف }: توقع القتال بين الجيشين، ومنه سميت صلاة الخوف. والمقصود: وصفهم بالجبن، أي: إذا رأوا جيوش العدوّ مقبلة رأيتهم ينظرون إليك. والظاهر أن الآية تشير إلى ما حصل في بعض أيام الأحزاب من القتال بين الفرسان الثلاثة الذين اقتحموا الخندق من أضيق جهاته وبين علي بن أبي طالب ومن معه من المسلمين كما تقدم.

والخطاب في { رأيتهم } للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقتضي أن هذا حكاية حالة وقعت لا فرض وقوعها ولهذا أتي بفعل { رأيتهم } ولم يقل: فإذا جاء الخوف ينظرون إليك. ونظرهم إليه نظرُ المتفرس فيماذا يصنع ولسان حالهم يقول: ألسنا قد قلنا لكم إنكم لا قبل لكم بقتال الأحزاب فارجعوا، وهم يرونه أنهم كانوا على حق حين يحذرونه قتال الأحزاب، ولذلك خصّ نظرهم بأنه للنبيء صلى الله عليه وسلم ولم يقل: ينظرون إليكم. وجيء بصيغة المضارع ليدل على تكرر هذا النظر وتجدده.

وجملة { تدور أعينهم } حال من ضمير { ينظرون } لتصوير هيئة نظرهم نظر الخائف المذعور الذي يحدّق بعينيه إلى جهات يحذر أن تأتيه المصائب من إحداها.

والدوْر والدوران: حركة جسم رَحَوِيَّة (أي كحركة الرحى) منتقل من موضع إلى موضع فينتهي إلى حيث ابتدأ. وأحسب أن هذا الفعل وما تصرف منه مشتقات من اسم الدَّار، وهي المكان المحدود المحيط بسكانِه بحيث يكون حولهم. ومنه سميت الدارة لكل أرض تحيط بها جبال. وقالوا: دارت الرحى حول قُطبها. وسموا الصنم: دُوَاراً (بضم الدال وفتحها) لأنه يدور به زائروه كالطواف. وسميت الكعبة دُواراً أيضاً، وسموا ما يحيط بالقمر دارة. وسميت مصيبة الحرب دائرة لأنهم تخيلوها محيطة بالذي نزلت به لا يجد منها مفرّاً، قال عنترة:

ولقد خشيت بأن أموت ولم تدرفي الحرب دائرة على ابنَيْ ضمضم

فمعنى { تدور أعينهم } أنها تضطرب في أجفانها كحركة الجسم الدائرة من سرعة تنقلها محملقة إلى الجهات المحيطة. وشبه نظرهم بنظر الذي يغشى عليه بسبب النزع عند الموت فإن عينيه تضطربان.

وذهاب الخوف مجاز مشهور في الانقضاء، أي: زوال أسبابه بأن يُترك القتال أو يتبين أن لا يقع قتال. وذلك عند انصراف الأحزاب عن محاصرة المدينة كما سيدل عليه قوله { يحسبون الأحزاب لم يذهبوا } [الأحزاب: 20].

والسَلْق: قوة الصوت والصياح. والمعنى: رفعوا أصواتهم بالملامة على التعرض لخطر العدوّ الشديد وعدم الانصياع إلى إشارتهم على المسلمين بمسالمة المشركين، وفسر السلق بأذى اللسان. قيل: سأل نافعُ بن الأزرق عبد الله بن عباس عن { سلقوكم } فقال: الطعن باللسان. فقال نافع: هل تعرف العرب ذلك؟ فقال: نعم، أما سمعت قول الأعشى:

فيهم الخصب والسماحة والنجــــــــدة فيهم والخَاطب المِسلاق

و{ حِداد }: جمع حديد، وحَديد: كل شيء نافذُ فعلِ أمثاله قال تعالى { { فَبَصُرك اليومَ حديد } [ق: 22].

وانتصب { أشحة على الخير }على الحال من ضمير الرفع في { سلقوكم }، أي: خاصموكم ولامُوكم وهم في حال كونهم أشحة على ما فيه الخير للمسلمين، أي أن خصامهم إياهم ليس كما يبدو خوفاً على المسلمين واستبقاء عليهم ولكنه عن بغض وحقد؛ فإن بعض اللوم والخصام يكون الدافع إليه حُبّ الملوم وإبداء النصيحة له، وأقوال الحكماء والشعراء في هذا المعنى كثيرة.

ويجوز أن يكون الخير هنا هو المال كقوله تعالى { إن ترك خيراً } [البقرة: 180] وقوله: { وإنه لحب الخير لشديد } [العاديات: 8]، أي: هم في حالة السلم يُسرعون إلى مَلامكم ولا يواسونكم بأمْوالهم للتجهيز للعدوّ إن عاد إليكم. ودخلت { على } هنا على المبخول به.

{ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَـٰلَهُمْ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى الله يَسِيراً }

جيء باسم الإشارة لقصد تمييزهم بتلك الصفات الذميمة التي أجريت عليهم من قبلُ، وللتنبيه على أنهم أحرياء بما سيرد من الحُكم بعد اسم الإشارة، كقوله تعالى: { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } في سورة البقرة (5).

وقد أجري عليهم حكم انتفاء الإيمان عنهم بقوله { أولئك لم يؤمنوا } كشفاً لدخائلهم لأنهم كانوا يوهمون المسلمين أنهم منهم كما قال تعالى: { وإذا لَقُوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا } في سورة البقرة (14). ورتب على انتفاء إيمانهم أن الله أحبط أعمالهم.

والإحباط: جعل شيء حَابطاً، فالهمزة فيه للجَعْل مثل الإذهاب. والحَبْط حقيقته: أنه فساد ما يراد به الصلاح والنفع. ويطلق مجازاً على إفساد ما كان نافعاً أو على كون الشيء فاسداً ويظن أنه ينفع يقال: حَبِط حَقُّ فلان، إذا بطل. والإطلاق المجازي ورد كثيراً في القرآن. وفعله من بابَي سَمِع وضَرَب. ومصدره: الحَبْط، واسم المصدر: الحُبُوط. ويقال: أحبط فلان الشيء، إذا أبطله، ومنه إحباط دم القتيل، أي: إبطال حق القود به. فإحباط الأعمال: إبطال الاعتداد بالأعمال المقصود بها القُربة والمظنون بها أنها أعمال صالحة لمانع منع من الاعتداد بها في الدين.

وقد صار لفظ الحبط والحبوط من الألفاظ الشرعية الاصطلاحية بين علماء الفقه والكلام، فأطلق على عدم الاعتداد بالأعمال الصالحة بسبب الردة، أي: الرجوع إلى الكفر، أو بسبب زيادة السيئات على الحسنات بحيث يستحق صاحب الأعمال العذاب بسبب زيادة سيئاته على حسناته بحسب ما قدر الله لذلك وهو أعلم به، ومن هذه الجهة عُدّت مسألة الحبوط مع المسائل الكلامية، أو بحيث ينظر في انتفاعه بما فعل من الواجبات عليه إذا ارتد عن الإسلام ثم عاد إلى الإسلام كمن حج ثم ارتد ثم رجع إلى الإسلام، ومن هذه الجهة تُعد مسألة الحبوط في مسائل الفقه، فقال مالك وأبو حنيفة: الردةُ تُحبط الأعمال بمجرد حصولها فإذا عاد إلى الإسلام وكان قد حجّ مثلاً قبل ردّته وجبت عليه إعادة الحج تمسكاً بإطلاق هذه الآية إذ ناطت الحُبوط بانتفاء الإيمان، ولم يريا أن هذا مما يحمل فيه المطلق على المقيّد احتياطاً لأن هذا الحكم راجع إلى الاعتقادات ولا يكفي فيها الظن. وقال الشافعي: إذا رجع إلى الإسلام رجعتْ إليه أعماله الصالحة التي عمِلها قبل الردة تمسكاً بقوله تعالى: { ومَن يرتدِدْ منكم عن دينه فيمُت وهو كَافر فأولئك حبِطَتْ أعمالُهُم في الدُّنيا والآخرة } في سورة البقرة (217) حملاً للمطلق في آية سورة الأحزاب ونحوها على المقيّد في آية سورة البقرة تغليباً للجانب الفروعي في هذه المسألة على الجانب الاعتقادي.

وتعرف هذه المسألة بمسألة الموافاة، أي: استمرار المرتدّ على الردّة إلى انقضاء حياته فيوافي يوم القيامة مرتداً. فمالك وأبو حنيفة لم يريا شرط الموافاة والشافعي اعتبر الموافاة. والمعتزلة قائلون بمثل ما قال به مالك وأبو حنيفة. وحكى الفخر عن المعتزلة اعتبار الموافاة على الكفر، وانظر ما تقدم في قوله تعالى { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمُت وهو كافر فأولئك حبِطت أعمالهم في الدنيا والآخرة } في سورة البقرة (217). والمعنى: أنهم لا تنفعهم قرباتهم ولا جهادهم.

وجملة { وكان ذلك على الله يسيراً } خبر مستعمل في لازمه وهو تحقيرهم وأن الله لمَّا أخرجهم من حظيرة الإسلام فأحبط أعمالهم لم يعبأ بهم ولا عَدّ ذلك ثلمة في جماعة المسلمين.

وكان المنافقون يُدلون بإظهار الإيمان ويحسبون أن المسلمين يعتزون بهم، قال تعالى: { { يَمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنُّوا عليّ إسلامكم بل الله يمُنُّ عليكم أن هَداكم للإيمان إن كنتم صادقين } [الحجرات: 17].