التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ
٣٤
لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ
٣٥
-يس

التحرير والتنوير

هذا من إحياء الأرض بإنبات الأشجار ذات الثمار، وهو إحياء أعجب وأبقى وإن كان الإِحياء بإنبات الزرع والكلأ أوضح دلالة لأنه سريع الحصول.

وتقدم ذكر { { جنات } في أول سورة الرعد (4).

وتفجير العيون تقدم عند قوله تعالى: { وإن من الحجارة لمَا يتفجر منه الأنهار } في سورة البقرة (74).

والثَّمَر بفتحتين وبضمتين: ما يغلّه النخل والأعناب من أصناف الثمر وأصناف العنب والثمرة بمنزلة الحبّ للسنبل. وقرأ الجمهور: { ثَمَرِهِ } بفتحتين. وقرأه حمزة والكسائي وخلف بضمتين. والنخيل: اسم جمع نخل.

والأعناب جمع عنب، وهو يطلق على شجرة الكرم وعلى ثمرها. وجمع النخيل والأعناب باعتبار تعدد أصناف شجره المثمر أصنافاً من ثمره.

وضمير { مِن ثَمَرِهِ } عائد إلى المذكور، أي من ثمر ما ذكرنا، كقول رُؤبة:

فيها خطوط من سواد وبلقكأنه في الجلد توليع البهق

فقيل له: هلا قلت: كأنها؟ فقال: أردت كأن ذلك ويْلَك. وتقدم عند قوله تعالى: { { عوان بين ذلك } في سورة البقرة (68).

ويجوز أن يعود الضمير على النخيل وتترك الأعناب للعلم بأنها مثل النخيل. كقول الأزرق بن طرفة بن العمود القراطي الباهلي:

رماني بذنب كنتُ منه ووالديبريئاً ومن أجْل الطويِّ رّماني

فلم يقل: بريئين، للعلم بأن والده مثله.

ويجوز أن تكون { ما } في قوله: { وما عَمِلَتْهُ أيدِيهم } موصولة معطوفة على { ثَمَرهِ }، أي ليأكلوا من ثمر ما أخرجناه ومن ثمر ما عملته أيديهم، فيكون إدماجاً للإِرشاد إلى إقامة الجنات بالخدمة والسقي والتعهد ليكون ذلك أوفر لأغلالها. وضمير { عَمِلَتْهُ } على هذا عائد إلى اسم الموصول. ويجوز أن يكون { ما } نافية والضمير عائد إلى ما ذكر من الحب والنخيل والأعناب. والمعنى: أن ذلك لم يخلقوه. وهذا أوفر في الامتنان وأنسب بسياق الآية مساق الاستدلال. وقرأ الجمهور: { وما عَمِلَتْهُ } بإثبات هاء الضمير عائداً إلى المذكور من الحب والنخيل والأعناب. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف { وما عملت } بدون هاء، وكذلك هو مرسوم في المصحف الكوفي وهو جار على حذف المفعول إن كان معلوماً. ويجوز أن يكون من حذف المفعول لإرادة العموم. والتقدير: وما عملت أيديهم شيئاً من ذلك. وكلا الحذفين شائع.

وفرع عليه استفهام الإنكار لعدم شكرهم بأن اتخذوا للذي أوجد هذا الصنع العجيب أنداداً. وجيء بالمضارع مبالغة في إنكار كفرهم بأن الله حقيق بأن يكرروا شكره فكيف يستمرون على الإِشراك به.