التفاسير

< >
عرض

فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
٧٦
-يس

التحرير والتنوير

{ فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ }.

فرّع على قوله: { { واتَّخذوا من دُونِ الله ءَالِهَةً } [يس:74] صرفُ أن تحزن أقوالهم النبي صلى الله عليه وسلم أي تحذيره من أن يحزِن لأقوالهم فيه فإنهم قالوا في شأن الله ما هو أفظع.

و{ قولهم } من إضافة اسم الجنس فيعم، أي فلا تحزنك أقوالهم في الإِشراك وإنكار البعث والتكذيب والأذى للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، ولذلك حذف المقول، أي لا يحزنك قولهم الذي من شأنه أن يحزنك.

والنهي عن الحزن نهي عن سببه وهو اشتغال بال الرسول بإعراضهم عن قبول الدين الحق، وهو يستلزم الأمر بالأسباب الصارفة للحزن عن نفسه من التسلّي بعناية الله تعالى وعقابه من ناووه وعادوه.

{ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }.

تعليل للنهي عن الحزن لقولهم.

والخبر كناية عن مؤاخذتهم بما يقولون، أي إنا محصون عليهم أقوالهم وما تسرّه أنفسهم مما لا يجهرون به فنؤاخذهم بذلك كله بما يكافئه من عقابهم ونصرِك عليهم ونحو ذلك. وفي قوله: { ما يُسِرُّونَ وما يُعلنون } تعميم لجعل التعليل تذييلاً أيضاً.

و«إنّ» مغنية عن فاء التسبب في مقام ورودها لمجرد الاهتمام بالتأكيد المخبر بالجملة ليست مستأنفة ولكنها مترتبة.

وقرأ نافع { يُحزِنكَ } بضم الياء وكسر الزاي من أحزنه إذا أدخل عليه حزناً. وقرأه الباقون بفتح الياء وضم الزاي من حَزَنه بفتح الزاي بمعنى أحزنه وهما بمعنى واحد.

وقدم الإِسرار للاهتمام به لأنه أشدّ دلالة على إحاطة علم الله بأحوالهم، وذكر بعده الإِعلان لأنه محل الخبر، وللدلالة على استيعاب علم الله تعالى بجزئيات الأمور وكلياتها.

والوقف عند قوله: { ولا يحزنك قولهم } مع الابتداء بقوله: { إنَّا نعلم } أَحسنُ من الوصل لأنه أوضح للمعنى، وليس بمتعيّن إذ لا يخطر ببال سامع أنهم يقولون: إن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون، ولو قالوه لما كان مما يحزن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف ينهى عن الحزن منه.