التفاسير

< >
عرض

وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
١٥
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
١٦
أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ
١٧
قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ
١٨
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ
١٩
-الصافات

التحرير والتنوير

عطف على جملة { فاستفتهم أهم أشد خلقاً } [الصافات:11] الآية. والإِشارة في قوله: { إنْ هٰذَا إلاَّ سِحْرٌ مبينٌ } إلى مضمون قوله: { فاستفتهم أهم أشد خلقاً } وهو إعادة الخلق عند البعث، ويبينه قوله: { أءِذَا مِتْنا وكنا تراباً وعِظاماً إنا لمبْعُوثون }، أي وقالوا في رد الدليل الذي تضمنه قوله: { أهُم أشد خلقاً أم مَّنْ خلقنا } [الصافات: 11] أي أجابوا بأن ادعاء إعادة الحياة بعد البِلَى كلام سحر مبين، أي كلام لا يفهم قصد به سحر السامع. هذا وجه تفسير هذه الآية تفسيراً يلتئم به نظمها خلافاً لما درج عليه المفسرون.

وقرأ نافع وحده { إنَّا لَمَبْعُوثُونَ } بهمزة واحدة هي همزة { إنْ } باعتبار أنه جواب { إذا } الواقعة في حيّز الاستفهام فهو من حيز الاستفهام. وقرأ غير نافع { أَإِنا } بهمزتين: إحداهما همزة الاستفهام مؤكدة للهمزة الداخلة على { إذا }.

وقوله: { أوْ ءَاباؤُنَا } قرأه قالون عن نافع وابن عامر وأبو جعفر بسكون واو { أوْ } على أن الهمزة مع الواو حرف واحد هو { أو } العاطفة المفيدة للتقسيم هنا. ووجه العطف بــــ { أو } هو جعلهم الآباء الأولين قسماً آخر فكان عطفه ارتقاء في إظهار استحالة إعادة هذا القسم لأن آباءهم طالت عصور فنائهم فكانت إعادة حياتهم أوغل في الاستحالة. وقرأ الباقون بفتح الواو على أن الواو واو العطف والهمزة همزة استفهام فهما حرفان. وقدمت همزة الاستفهام على حرف العطف حسب الاستعمال الكثير. والتقدير: وأآباؤنا الأولون مثلنا.

وعلى كلتا القراءتين فرفعه بالعطف على محل اسم { إنّ } الذي كان مبتدأ قبل دخول { إنّ }، والغالب في العطف على اسم { إن } يرفع المعطوف اعتباراً بالمحل كما في قوله تعالى: { أن اللَّه بريء من المشركين ورسولُه } [التوبة: 3] أو يجعل معطوفاً على الضمير المستتر في خبر { إن } وهو هنا مرفوع بالنيابة عن الفاعل ولا يضر الفصل بين المعطوف عليه الذي هو ضمير متصل وبين حرف العطف، أو بين المعطوف عليه والمعطوف بالهمزة المفضِي إلى إعمال ما قبل الهمزة فيما بعدها وذلك ينافي صدارة الاستفهام لأن صدارة الاستفهام بالنسبة إلى جملته فلا ينافيها عمل عامل من جملة قبله لأن الإِعمال اعتبار يعتبره المتكلم ويفهمه السامع فلا ينافي الترتيب اللفظي.

والاستفهام في قوله: { أإذا متنا } إنكاري كما تقدم فلذلك كان قوله تعالى: (قُلْ نَعَمْ) جواباً لقولهم { أءِذَا مِتْنَا } على طريقة الأسلوب الحكيم بصرف قصدهم من الاستفهام إلى ظاهر الاستفهام فجعلوا كالسائلين: أيبعثون؟ فقيل لهم: نعم، تقريراً للبعث المستفهم عنه، أي نعم تبعثون. وجيء بــــ { قل } غير معطوف لأنه جار على طريقة الاستعمال في حكاية المحاورات كما تقدم عند قوله تعالى: { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } في سورة [البقرة: 30].

و { أنتم داخرون }جملة في موضع الحال. والداخر: الصاغر الذليل، أي تبعثون بعث إهانة مؤذنة بترقب العقاب لا بعث كرامة.

وفُرّع على إثبات البعث الحاصل بقوله: { نَعَمْ }، أن بعثهم وشيك الحصول لا يقتضي معالجة ولا زمناً إن هي إلا إعادة تنتظر زجرة واحدة.

والزجرة: الصيحة، وقد تقدم آنفاً قوله تعالى: { فالزاجرات زجراً } [الصافات: 2].

و { واحِدةٌ } تأكيد لما تفيده صيغة الفعلة من معنى المرة لدفع توهم أن يكون المراد من الصيحة الجنس دون الوجود لأن وزن الفعلة يجيء لمعنى المصدر دون المرة. وضمير { هِيَ } ضمير القصة والشأن وهو لا معادَ لهُ إنما تفسره الجملة التي بعده. وفُرّع عليه { فإذا هم ينظرون } ودل فاء التفريع على تعقيب المفاجأة، ودل حرف المفاجأة على سرعة حصول ذلك. وقد تقدم ذلك في قوله تعالى: { إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون } في سورة [يس: 53].

وكُني عن الحياة الكاملة التي لا دهش يخالطها بالنظر في قوله: { يَنْظُرُونَ } لأن النظر لا يكون إلا مع تمام الحياة. وأوثر النظر من بين بقية الحواس لمزيد اختصاصه بالمقام وهو التعريض بما اعْتراهم من البهت لمشاهدة الحشر.