لمّا كان شأن التقوى عظيماً على النفوس، لأنّها يصرفها عنها استعجال الناس لمنافع الدنيا على خيرات الآخرة، نبّههم الله إلى أنّ خير الدنيا بيد الله، وخير الآخرة أيضاً، فإن اتقوه نالوا الخيرين.
ويجوز أن تكون الآية تعليماً للمؤمنين أن لا يصدّهم الإيمان عن طلب ثواب الدنيا، إذ الكلّ من فضل الله. ويجوز أن تكون تذكيراً للمؤمنين بأن لا يلهيهم طلب خير الدنيا عن طلب الآخرة، إذ الجمع بينهما أفضل، وكلاهما من عند الله، على نحو قوله: «فمنهم من يقول ربّنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب بما كسبوا» أو هي تعليم للمؤمنين أن لا يطلبوا خير الدنيا من طرق الحرام، فإنّ في الحلال سعة لهم ومندوحة، وليتطلّبوه من الحلال يُسهِّلْ لهم الله حصوله، إذ الخير كلّه بيد الله، فيوشك أن يَحرم من يتطلّبه من وجه لا يرضيه أو لا يباركَ له فيه. والمراد بالثواب في الآية معناه اللغوي دون الشرعي، وهو الخير وما يرجع به طالب النفع من وجوه النفع، مشتقّ من ثاب بمعنى رجع. وعلى الاحتمالات كلّها فجواب الشرط بــــ «منَ كان يريد ثواب الدنيا» محذوف، تدلّ عليه علّته، والتقدير: من كان يريد ثواب الدنيا فلا يُعرض عن دين الله، أو فلا يصدّ عن سؤاله، أو فلا يقتصر على سؤاله، أو فلا يحصّله من وجوه لا ترضي الله تعالى: كما فعل بنو أبيرق وأضرابهم، وليتطلّبه من وجوه البرّ لأنّ فضل الله يسع الخيرين، والكلّ من عنده. وهذا كقول القطامي:
فمن تَكُن الحضارة أعجبتهفأيُّ رجال بادية ترانا
التقدير: فلا يغترر أو لا يبتهج بالحضارة، فإنّ حالنا دليل على شرف البداوة.