التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً
١٤٤
-النساء

التحرير والتنوير

أقبل على المؤمنين بالتحذير من موالاة الكافرين بعد أن شرح دخائلهم واستصناعهم للمنافقين لقصد أذى المسلمين، فعَلِم السامع أنّه لولا عداوة الكافرين لهذا الدين لما كان النفاق، وما كانت تصاريف المنافقين، فقال: { يأيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين }، فهي استئناف ابتدائي، لأنّها توجيه خطاب بعد الانتهاء من الإخبار عن المنافقين بطريق الغيبة. وهذه آية جامعة للتحذير من موالاة الكافرين. فالتحذير من موالاة الكافرين والمنافقين، ومن الوقوع في النفاق، لإن المنافقين تظاهروا بالإيمان ووالوا الكافرين تحذير من الاستشعار بشعار النفاق، وتحذير من موالاة المنافقين الذين هم أولياء الكافرين، وتشهير بنفاق المنافقين، وتسجيل عليهم أن لا يقولوا: كنّا نجهل أنّ الله لا يحبّ موالاة الكافرين.

والظاهر أنّ المراد بالكافرين هنا مشركو مكة وأهل الكتاب من أهل المدينة، لأنّ المنافقين كانوا في الأكثر موالين لأهل الكتاب.

وقوله: { أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً } استئناف بياني، لأنّ النهي عن اتّخاذ الكافرين أولياء ممّا يبعث الناس على معرفة جزاء هذا الفعل مع ما ذكرناه من قصد التشهير بالمنافقين والتسجيل عليهم، أي أنّكم إن استمررتم على موالاة الكافرين جعلتم لله عليكم سلطاناً مبيّناً، أي حجّة واضحة على فساد إيمانكم، فهذا تعريض بالمنافقين.

فالاستفهام مستعمل في معنى التحذير والإنذار مجازاً مرسلاً.

وهذا السلطان هو حجّة الرسول عليهم بأنّهم غير مؤمنين فتجري عليهم أحكام الكفر، لأنّ الله عالم بما في نفوسهم لا يحتاج إلى حجّة عليهم، أو أريد حجّة افتضاحهم يوم الحساب بموالاة الكافرين، كقوله: { لئلاّ يكون للناس على الله حِجّة بعد الرسل } [النساء: 165]. ومن هنا يجوز أيضاً أن يكون المراد من الحجّة قطع حجّة من يرتكب هذه الموالاة والإعذار إليه.