التفاسير

< >
عرض

قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
٢٤
-الزخرف

التحرير والتنوير

{ قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ ءَابَآءَكُمْ }.

قرأ الجمهور { قُلْ } بصيغة فعل الأمر لِمفرد فيكون أمراً للرّسول صلى الله عليه وسلم بأن يَقوله جواباً عن قول المشركين { { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون } [الزخرف: 22].

وقرأ ابن عامر وحفص { قال } بصيغة فعل المضي المسند إلى المفرد الغائب فيكون الضمير عائداً إلى نذير الذين قالوا { { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } [الزخرف: 23]. فحصل من القراءتين أن جميع الرّسل أجابوا أقوامهم بهذا الجواب، وعلى كلتا القراءتين جاء فعل { قل } أو { قال } مفصولاً غير معطوف لأنه واقع في مجال المحاورة كما تقدم غير مرة، منها قوله تعالى: { { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } في سورة البقرة (30).

وقرأ الجمهور { جئتكم } بضمير تاء المتكلم. وقرأ أبو جعفر { جئنَاكم } بنون ضمير المتكلم المشارك وأبو جعفر من الذين قرأُوا { قل } بصيغة الأمر فيكون ضمير { جئنَاكم } عائداً للنبي صلى الله عليه وسلم المخاطب بفعل { قُل } لتعظيمه صلى الله عليه وسلم من جانب ربّه تعالى الذي خاطبه بقوله: { قل }.

والواو في قوله: { أَوَلَوْ } عاطفة الكلام المأمور به على كلامهم، وهذا العطف مما يسمى عطف التلقين، ومنه قوله تعالى عن إبراهيم: { { قال ومن ذريتي } [البقرة: 124]. والهمزة للاستفهام التقريري المشوبِ بالإنكار. وقدمت على الواو لأجل التصدير.

و{ لو } وصلية، و{ لو } الوصلية تقتضي المبالغة بنهاية مدلول شرطها كما تقدم عند قوله تعالى: { { ولو افتدى به } في آل عمران (91)، أي لو جئتكم بأهدى من دين آبائكم تبقون على دين آبائكم وتتركون ما هو أهدى.

والمقصود من الاستفهام تقريرهم على ذلك لاستدعائهم إلى النظر فيما اتبعوا فيه آباءهم لعل ما دعاهم إليه الرّسول أهدى منهم. وصوغ اسم التفضيل من الهَدي إرخاء للعنان لهم ليتدبروا، نُزّل ما كان عليهم آباؤهم منزلة ما فيه شيء من الهُدى استنزالاً لطائر المخاطبين ليتصدّوا للنظر كقوله: { { وإنّا أو إيّاكم لعلى هُدىً أو في ضلالٍ مبينٍ } [سبأ: 24].

{ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }.

بدل من جملة { { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } [الزخرف: 23]، لأن ذلك يشتمل على معنى: لا نتبعكم ونترك ما وجدنا عليه آباءنا، وضمير { قالوا } راجع إلى { { مترفوها } [الزخرف: 23] لأن موقع جملة { { فانتقمنا منهم } [الزخرف: 25] يعين أن هؤلاء القائلين وقع الانتقام منهم فلا يكون منهم المشركون الذين وقع تهديدهم بأولئك.

وقولهم: (ما أرسلتم به) يجوز أن يكون حكاية لقولهم، فإطلاقهم اسم الإرسال على دعوة رُسلهم تهكم مثل قوله: { { ما لهذا الرّسول يأكل الطعام } [الفرقان: 7] ويجوز أن يكون حكاية بالمعنى وإنما قالوا إنّا بما زعمتم أنكم مرسلون به، وما أرسلوا به توحيد الإلـٰه.