التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ
٨٤
-الزخرف

التحرير والتنوير

{ وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِى ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ }.

عطف على جملة { { قل إن كان للرحمٰن ولد } [الزخرف: 81] والجملتان اللتان بينهما اعتراضان، قصد من العطف إفادة نفي الشريك في الإلـٰهية مطلقاً بعد نفي الشريك فيها بالبُنوة، وقصد بذكر السماء والأرض الإحاطة بعوالم التدبير والخلق لأن المشركين جعلوا لله شركاء في الأرض وهم أصنامهم المنصوبة، وجعلوا له شركاء في السماء وهم الملائكة إذ جعلوهم بنات لله تعالى فكان قوله: { في السماء إلٰه وفي الأرض إلٰه } إبطالاً للفريقين مما زُعمت إلٰهيتُهم. وكان مقتضى الظاهر بهذه الجملة أن يكون أوَّلها { الذي في السَّماء إلـٰه } على أنه وصف للرحمان من قوله: { { إن كان للرحمٰن ولد } [الزخرف: 81]، فعُدل عن مقتضى الظاهر بإيراد الجملة معطوفة لتكون مستقلة غير صفة، وبإيراد مبتدأ فيها لإفادة قصر صفة الإلـٰهية في السماء وفي الأرض على الله تعالى لا يشاركه في ذلك غيره، لأن إيراد المسند إليه معرفة والمسند معرفة طريق من طرق القصر. فالمعنى وهو لا غيره الذي في السماء إلـٰه وفي الأرض إلـٰه، وصلة { الذي } جملة اسمية حذف صدرها، وصَدرُها ضمير يعود إلى معاد ضمير { وهو } وحذْفُ صدر الصلة استعمال حسن إذا طالت الصلة كما هنا. والتقدير: الذي هو في السماء إلـٰه.

والمجروران يتعلقان بــ { إلٰه } باعتبار ما يتضمنه من معنى المعبود لأنه مشتق من ألَهَ، إذا عبَد فشابه المشتق. وصح تعلق المجْرور به فتعلقه بلفظ إلـٰه كتعلق الظرف بغِربال وأقوى من تعلق المجرور بكانون في قول الحطيئة يهجو أمه من أبيات:

أغِرْبالاً إذا استُودِعْتِ سِرًّا وكَانُوناً على المتحدّثينا

{ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ }.

بعد أن وصف الله بالتفرد بالإلـٰهية أُتبع بوصفه بــ { الحكيم العليم } تدقيقاً للدليل الذي في قوله: { وهو الذي في السماء إلٰه وفي الأرض إلٰه }، حيث دل على نفي إلـٰهية غيره في السماء والأرض واختصاصه بالإلـٰهية فيهما لما في صيغة القصر من إثبات الوصف له ونفيه عمن سواه، فكان قوله: { وهو الحكيم العليم } تتميماً للدليل واستدلالاً عليه، ولذلك سميناه تدقيقاً إذ التدقيق في الاصطلاح هو ذكر الشيء بدليللِ دليله وأما التحقيق فذكرُ الشيء بدليله لأن الموصوف بتمام الحكمة وكمال العلم مستغن عما سواه فلا يحتاج إلى ولد ولا إلى بنت ولا إلى شريك.