التفاسير

< >
عرض

هَـٰذَا هُدًى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ
١١
-الجاثية

التحرير والتنوير

جملة { هذا هدى } استئناف ابتدائي انتُقل به من وصف القرآن في ذاته بأنه منزل من الله وأنه من آيات الله إلى وصفه بأفضل صفاته بأنه هدى، فالإشارة بقوله: { هذا } إلى القرآن الذي هو في حال النزول وَالتِلاوةِ فهو كالشيء المشاهد، ولأنه قد سبق من أوصافه من قوله: { { تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم } [الجاثية: 2] وقوله: { { تلك آيات الله } [الجاثية: 6] إلى آخره ما صيره متميزاً شخصاً بِحسن الإشارة إليه. ووصف القرآن بأنه { هدى } من الوصف بالمصدر للمبالغة، أي: هاد للناس، فمن آمن فقد اهتدى ومن كفر به فله عذاب لأنه حَرَمَ نفسه من الهدى فكان في الضلال وارتبق في المفاسد والآثام.

فجملة { والذين كفروا } عطف على جملة { هذا هدى } والمناسبة أن القرآن من جملة آيات الله وأنه مذكِّر بها، فالذين كفروا بآيات الله كفروا بالقرآن في عموم الآيات، وهذا واقع موقع التذييل لما تقدمه ابتداء من قوله: { { ويل لكل أفاك أثيم } [الجاثية: 7]. وجيء بالموصول وصلته لما تشعر به الصلة من أنهم حقيقون بالعقاب.

واستُحْضِروا في هذا المقام بعنوان الكُفر دون عنواني الإصرار والاستكبار اللذين استحضروا بهما في قوله: { { ثم يُصِرّ مستكبراً } [الجاثية: 8] لأن الغرض هنا النعي عليهم إهمالهم الانتفاع بالقرآن وهو النعمة العظمى التي جاءتهم من الله فقابلوها بالكفران عوضاً عن الشكر، كما جاء في قوله تعالى: { { وتجعلون رزقكم أنكم تكذّبون } [الواقعة: 82].

والرجز: أشد العذاب، قال تعالى: { { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يَفْسُقون } [البقرة: 59]. ويجوز أن يكون حرف { مِن } للبيان فالعذاب هو الرجز ويجوز أن يكون للتبعيض، أي عذاب مما يسمى بالرجز وهو أشده.

و{ أليم } يجوز أن يكون وصفاً لــ{ عذاب } فيكون مرفوعاً وكذلك قرأه الجمهور. ويجوز أن يكون وصفاً لــ{ رجزٍ } فيكون مجروراً كما قرأه ابن كثير وحفص عن عاصم.