التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ لِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
١٢
-الجاثية

التحرير والتنوير

استئناف ابتدائي للانتقال من التذكير بما خلق الله من العوالم وتصاريف أحوَالِها من حيث إنها دلالات على الوحدانية، إلى التذكير بما سخر الله للناس من المخلوقات وتصاريفها من حيثُ كانت منافع للناس تقتضي أن يشكروا مقدِّرها فجحدوا بها إذ توجهوا بالعبادة إلى غير المنعم عليهم، ولذلك عُلق بفعليْ { سخر } في الموضعين مجرور بلام العلة بقوله: { لكم }؛ على أن هذه التصاريف آيات أيضاً مثلُ اختلاف الليل والنهار، وما أنزل الله من السماء من ماء، وتصريف الرياح، ولكن لُوحظ هنا ما فيها من النعم كما لوحظ هنالك ما فيها من الدلالة، والفَطِنُ يَستخلص من المقامين كلا الأمرين على ما يشبه الاحتباك. ومناسبة هذا الانتقال واضحة.

واسم الجلالة مسند إليه والموصول مسند، وتعريف الجزأين مفيد الحصر وهو قَصر قلب بتنزيل المشركين منزلة من يحسب أن تسخير البحر وتسخير ما في السماوات والأرض إنعام من شركائهم كقوله تعالى: { { هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء } [الروم: 40]، فكان هذا القصر إبطالا لهذا الزعم الذي اقتضاه هذا التنزيل.

وقوله: { لتجري الفلك فيه } بَدل اشتمال من { لكم } لأن في قوله: { لكم } إجمالاً أريد تفصيله. فتعريف { الفلك } تعريف الجنس، وليس جري الفلك في البحر بنعمة على الناس إلا باعتبار أنهما يجرونهما للسفر في البحر فلا حاجة إلى جعل الألف واللام عوضاً عن المضاف إليه من باب { { فإن الجنة هي المأوى } [النازعات: 41].

وعطف عليه { ولتبتغوا من فضله } باعتبار ما فيه من عموم الاشتمال، فحصل من مجموع ذلك أن تسخير البحر لجري الفلك فيه للسفر لقضاء مختلف الحاجات حتى التنزه وزيارة الأهل.

وعطف { ولعلكم تشكرون } على قوله: { لتجري الفلك فيه } لا باعتبار ما اشتمل عليه إجمالاً، بل باعتبار لفظه في التعليق بفعله. وهذا مناط سَوق هذا الكلام، أي لعلكم تشكرون فكفرتم، وتقدم نظير مفردات هذه الآية غير مرة ما أغنى عن إعادته.