التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً
٢٢
سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً
٢٣
-الفتح

التحرير والتنوير

هذا عطف على قوله: { { وكف أيدي الناس عنكم } [الفتح: 20] على أن بعضه متعلق بالمعطوف عليه، وبعضه معطوف على المعطوف عليه فما بينهما ليس من الاعتراض.

والمقصود من هذا العطف التنبيه على أن كف أيدي الناس عنهم نعمة على المسلمين باستبقاء قوتهم وعدتهم ونشاطهم. وليس الكف لدفع غلبة المشركين إياهم لأن الله قدَّر للمسلمين عاقبة النصر فلو قاتلهم الذين كفروا لهزمهم المسلمون ولم يجدوا نصيراً، أي لم ينتصروا بجمعهم ولا بمن يعينهم.

والمراد بالذين كفروا ما أريد بالناس في قوله: { وكف أيدي الناس عنكم }. وكان مقتضى الظاهر الإتيان بضمير الناس بأن يقال: ولو قاتلوكم، فعدل عنه إلى الاسم الظاهر لما في الصلة من الإيماء إلى وجه بناء الخبر وهو أن الكفر هو سبب تولية الإدبار في قتالهم للمسلمين تمهيداً لقوله: { سنة اللَّه التي قد خلت من قبل }.

و { الأدبار } منصوب على أنه مفعول ثان لِــ { وَلَّوا } ومفعوله الأول محذوف لدلالة ضمير { قاتلكم الذين كفروا } عليه. والتقدير: لولوكم الأدبار.

و (أل) للعهد، أي أدبارهم، ولذلك يقول كثير من النحاة إن (أل) في مثله عوض عن المضاف إليه وهو تعويض معنوي.

والتولية: جعل الشيء والياً، أي لجعلوا ظهورهم تَليكم، أي ارتدوا إلى ورائهم فصُرتم وراءهم.

و { ثم } للتراخي الرتبي فإن عدم وجدان الولي والنصير أشد على المنهزم من انهزامه لأنه حين ينهزم قد يكون له أمل بأن يستنصر من ينجده فيكُرّ بِهِ على الذين هزموه فإذا لم يجد ولياً ولا نصيراً تحقق أنه غير منتصر وأصل الكلام لولوا الأدبار وما وجدوا ولياً ولا نصيراً.

والولي: المُوالي والصديق، وهو أعم من النصير إذ قد يكون الوَلي غير قادر على إيواء وليه وإسعافه.

والسنة: الطريقة والعادة. وانتصب { سنة اللَّه } نِيابة عن المفعول المطلق الآتي بدلاً من فعله لإفادة معنى تأكيد الفعل المحذوف. والمعنى: سن الله ذلك سُنة، أي جعله عادة له ينصر المؤمنين على الكافرين إذا كانت نية المؤمنين نصر دين الله كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } [محمد: 7] وقال: { ولينصرن الله من ينصره } [الحج: 40]، أي أنّ الله ضمن النصر للمؤمنين بأن تكون عاقبة حروبهم نصراً وإن كانوا قد يُغلبون في بعض المواقع كما وقع يوم أحد وقد قال تعالى: { والعاقبة للمتقين } [القصص: 83] وقال: { والعاقبة للتقوى } [طه: 132].

وإنما يكون كمال النصر على حسب ضرورة المؤمنين وعلى حسب الإيمان والتقوى، ولذلك كان هذا الوعد غالباً للرسُول ومن معه فيكون النصر تاماً في حالة الخطر كما كان يوم بدر، ويكون سجالاً في حالة السعة كما في وقعة أحد وقد دل على ذلك " قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر:اللهم إن تَهلِك هذه العصابة لا تعبَد في الأرض" وقال الله تعالى: { قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين } [الأعراف: 128]، ويكون لمن بعد الرسول صلى الله عليه وسلم من جيوش المسلمين على حسب تمسكهم بوصايا الرسول صلى الله عليه وسلم. ففي «صحيح البخاري» عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم "يأتي زمان يغزُو فآمٌ من الناس فيقال: فيكم من صحب النبي؟ فيقال: نعم، فيفتحُ عليه، ثم يأتي زمان فيُقال: فيكم من صحب أصحاب النبي؟ فيقال: نعم فيفتح ثم يأتي زمان فيقال: فيكم من صَحِب من صَاحَبَ النبي؟ فيقال: نعم فيُفتحُ" .

ومعنى { خلت } مضت وسبقت من أقدم عصور اجتلاد الحق والباطل، والمضاف إليه { قبلُ } محذوف نُوِي معناه دون لفظه، أي ليس في الكلام دال على لفظه ولكن يدل عليه معنى الكلام، فلذلك بُني { قبلُ } على الضم. وفائدة هذا الوصف الدلالة على اطرادها وثباتها.

والمعنى: أن ذلك سنة الله مع الرسل قال تعالى: { كتب الله لأغلِبنّ أنا ورسلي إن الله قوي عزيز } [المجادلة: 21].

ولما وصف تلك السنة بأنها راسخة فيما مضى أعقب ذلك بوصفها بالتحقق في المستقبل تعميماً للأزمنة بقوله: { ولن تجد لسنة اللَّه تبديلاً } لأن اطراد ذلك النصر في مختلف الأمم والعصور وإخبارَ الله تعالى به على لسان رسله وأنبيائه يدل على أن الله أراد تأييد أحزابه فيعلم أنه لا يستطيع كائن أن يحول دون إرادة الله تعالى.