التفاسير

< >
عرض

وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
٩٢
-المائدة

التحرير والتنوير

عطفت جملة { وأطيعوا } على جملة { فهل أنتم منتهون } [المائدة: 91]، وهي كالتذييل، لأنّ طاعة الله ورسوله تعمّ ترك الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وتعمّ غير ذلك من وجوه الامتثال والاجتناب. وكرّر { وأطيعوا } اهتماماً بالأمر بالطاعة. وعطف { واحذَروا } على { أطيعوا } أي وكونوا على حذر. وحذف مفعول { احذروا } ليُنَزّلَ الفعلُ منزلة اللازم لأنّ القصد التلبّس بالحذر في أمور الدين، أي الحذر من الوقوع فيما يأباه الله ورسوله، وذلك أبلغ من أن يقال واحذروهما، لأنّ الفعل اللازم يقرُب معناه من معنى أفعال السجايا، ولذلك يجيء اسم الفاعل منه على زِنة فَعِلٍ كفرِح ونَهِمٍ.

وقوله: { فإن تولّيتم } تفريع عن { أطيعوا - واحذروا }. والتولّي هنا استعارة للعصيان، شُبّه العصيان بالإعراض والرجوع عن الموضع الذي كان به العاصِي، بجامع المقاطعة والمفارقة، وكذلك يطلق عليه الإدبار. ففي حديث ابن صياد «ولئنْ أدْبَرْتَ ليَعْقَرَنَّك الله» أي أعرضتَ عن الإسلام.

وقوله: { فاعلموا } هو جواب الشرط باعتبار لازم معناه لأنّ المعنى: فإن تولّيتم عن طاعة الرسول فاعلموا أن لا يضرّ تولّيكم الرسولَ لأنّ عليه البلاغ فحسب، أي وإنّما يضرّكم تولّيكم، ولولا لازم هذا الجواب لم ينتظم الربط بين التولّي وبين علمهم أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام ما أمر إلاّ بالتبليغ. وذكر فعل { فاعلموا } للتنبيه على أهمية الخبر كما بيّنّاه عند قوله تعالى: { { واتّقوا الله واعلموا أنّكم ملاقوه } في سورة البقرة (223).

وكلمة { أنّما } بفتح الهمزة تقيّد الحصر، مثل (إنّما) المكسورةِ الهمزة، فكما أفادت المكسورة الحصر بالاتّفاق فالمفتوحتها تفيد الحصر لأنّها فرع عن المكسورة إذ هي أختها. ولا ينبغي بقاء خلاف من خالف في إفادتها الحصر، والمعنى أنّ أمره محصور في التبليغ لا يتجاوزه إلى القدرة على هدي المبلّغ إليهم.

وفي إضافة الرسول إلى ضمير الجلالة تعظيم لجانب هذه الرسالة وإقامة لمعذرته في التبليغ بأنّه رسول من القادر على كلّ شيء، فلو شاء مُرسله لهَدَى المرسَلَ إليهم فإذا لم يهتدوا فليس ذلك لتقصير من الرسول.

ووصفُ البلاغ بــ { المُبين } استقصاء في معذرة الرسول وفي الإعذار للمعرضين عن الامتثال بعد وضوح البلاغ وكفايته وكونه مُؤيَّداً بالحجّة الساطعة.