التفاسير

< >
عرض

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ
١٢
وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ
١٣
وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ
١٤

التحرير والتنوير

استئناف ابتدائي ناشىء عن قوله: { بل كذبوا بالحق لما جاءهم } [ق: 5] فعُقّب بأنهم ليسوا ببدع في الضلال فقد كذبت قبلهم أمم. وذكر منهم أشهرهم في العالم وأشهرهم بين العرب، فقوم نُوح أول قوم كذبوا رسولهم، وفرعون كذب موسى، وقوم لوط كذبوه وهؤلاء معروفون عند أهل الكتاب، وأما أصحاب الرسّ وعاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم تُبّع فهم من العرب.

وذكروا هنا عقب قوم نوح للجامع الخيالي بين القومين وهو جامع التضادّ لأن عذابهم كان ضد عذاب قوم نوح إذ كان عذابهم بالخسف وعذاب قوم نوح بالغرق، ثم ذكر ثمود لشبه عذابهم بعذاب أصحاب الرسّ إذ كان عذابهم برجفة الأرض وصواعق السماء، ولأن أصحاب الرسّ من بقايا ثمود، ثم ذكرت عاد لأن عذابها كان بحادث في الجوّ وهو الريح، ثم ذكر فرعون وقومه لأنهم كذبوا أشهر الرسل قبل الإسلام، وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب وهم من خلطاء بني إسرائيل.

وعُبّر عن قوم لوط بــ { إخوان لوط } ولم يكونوا من قبيله، فالمراد بــ { إخوان } أنهم ملازمون وهم أهل سدوم وعمورة وقُراهما وكان لوط ساكناً في سَدوم ولم يكن من أهل نسبهم لأن أهل سدوم كنعانيون ولوطاً عبراني. وقد تقدم قوله تعالى: { { إذ قال لهم أخوهم لوط } في سورة الشعراء (161). وذُكر قوم تبع وهم أهل اليمن ولم يكن العرب يعدونهم عربا.

وهذه الأمم أصابها عذاب شديد في الدنيا عقاباً على تكذيبهم الرسل. والمقصود تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتعريضُ بالتهديد لقومه المكذّبين أن يحل بهم ما حلّ بأولئك.

والرس: يطلق اسماً للبئر غير المطوية ويطلق مصدراً للدفن والدسّ. واختلف المفسرون في المراد به هنا. وأصحاب الرس } قوم عرفوا بالإضافة إلى الرس، فيحتمل أن إضافتهم إلى الرسّ من إضافة الشيء إلى موطنه مثل { أصحاب الأيْكة }، و { أصحاب الحجر } [الحجر: 80] و { أصحاب القرية } [يس: 13]. ويجوز أن تكون إضافةً إلى حدث حلّ بهم مثل { { أصحاب الأخدود } [البروج: 4]. وفي تعيين { أصحاب الرس } أقوال ثمانية أو تسعة وبعضها متداخل.

وتقدم الكلام عليهم في سورة الفرقان. والأظهر أن إضافة { أصحاب } إلى { الرسّ } من إضافة اسم إلى حدث حدث فيه فقد قيل: إن أصحاب الرسّ عوقبوا بخسف في الأرض فوقعوا في مثل البئر. وقيل: هو بئر ألقى أصحابه فيه حنظلة بن صفوان رسول الله إليهم حيّا فهو إذن علَم بالغلبة وقيل هو (فلج) من أرض اليمامة. وتقدم الكلام على أصحاب الرس في سورة الفرقان (38) عند قوله تعالى: { { وعادا وثمودا وأصحاب الرس } .

وأصحاب الأيكة هم من قوم شعيب وتقدم في سورة الشعراء. وقوم تبع هم حِمير من عرب اليمن وتقدم ذكرهم في سورة الدخان.

وجملة { كل كذب الرسل } مؤكدة لجملة { كذبت قبلهم قوم نوح } إلى آخرها، فلذلك فصلت ولم تعطف، وليبني عليه قوله: { فحَقّ وعيد } فيكون تهديد بأن يحق عليهم الوعيد كما حق على أولئك مرتباً بالفاء على تكذيبهم الرسل فيكون في ذلك تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم وللرسل السابقين. وتنوين { كل } تنوين عوض عن المضاف إليه، أي كلّ أولئك. و { حقّ } صدق وتحقّق.

والوعيد: الإنذار بالعقوبة واقتضى الإخبار عنه بــ { حق } أن الله توعدهم به فلم يعبأوا وكذبوا وقوعه فحق وصدق. وحذفت ياء المتكلم التي أضيف إليها { وعيد } للرعي على الفاصلة وهو كثير.