التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ
٤٠
ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ
٤١
-النجم

التحرير والتنوير

يجوز أن تكون عطفاً على جملة { ألا تزر وازرة وزر أخرى } [النجم: 38] فهي من تمام تفسير { { بما في صحف موسى وإبراهيم } [النجم: 36، 37] فيكون تغيير الأسلوب إذ جيء في هذه الآية بحرف { أنَّ } المشددة لاقتضاء المقام أن يقع الإِخبار عن سَعي الإنسان بأنه يُعلن به يوم القيامة (وذلك من توابع أن ليس له إلاّ ما سعى)، فلما كان لفظ { سعيه } صالحاً للوقوع اسماً لحرف { أنَّ } زال مقتضِى اجتلاب ضمير الشأن فزال مقتضِي (أَنْ) المخففة. وقد يكون مضمون هذه الجملة في شريعة إبراهيم ما حكاه الله عنه من قوله: { { ولا تخزني يوم يبعثون } [الشعراء: 87] ويجوز أن لا يكون قوله مضمون قوله: { وأن سعيه } مشمولاً لما في صحف موسى وإبراهيم فعطفُه على (ما) الموصولة من قوله: { { بما في صحف موسى وإبراهيم } [النجم: 36، 37]، عطف المفرد على المفرد فيكون معمولاً لباء الجر في قوله: { فِى صُحُفِ مُوسَى } الخ، والتقدير: لم ينبأ بأن سعي الإنسان سوف يُرى، أي لا بد أن يرى، أي يجازى عليه، أي لم ينبأ بهذه الحقيقة الدينية وعليه فلا نتطلب ثبوت مضمون هذه الجملة في شريعة إبراهيم عليه السلام.

و{ سوف } حرف استقبال والأكثر أن يراد به المستقبل البعيد.

ومعنى { يرى } يشاهد عند الحساب كما في قوله تعالى: { { ووجدوا ما عملوا حاضراً } [الكهف: 49]، فيجوز أن تجسم الأعمال فتصير مشاهدة وأمور الآخرة مخالفة لمعتاد أمور الدنيا. ويجوز أن تجعل علامات على الأعمال يُعلن بها عنها كما في قوله تعالى: { نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم } [التحريم: 8]. وما في الحديث "يُنْصَب لكل غادر لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان" فيقدر مضاف تقديره: وأن عنوان سعيه سوف يرى.

ويجوز أن يكون ذلك بإشهار العمل والسعي كما في قوله تعالى: { { أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة } [الأعراف: 49] الآية، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم "من سمع بأخيه فيما يكره سمع الله به سامع خلقه يوم القيامة" ، فتكون الرؤية مستعارة للعلم لقصد تحقق العلم واشتهاره.

وحكمة ذلك تشريف المحسنين بحسن السمعة وانكسار المسيئين بسُوء الأحدوثة.

وقوله: { ثم يجزاه الجزاء الأوفى } هو المقصود من الجملة.

و{ ثم } للتراخي الرتبي لأن حصول الجزاء أهم من إظهاره أو إظهار المجزي عنه.

وضمير النصب في قوله: { يجزاه } عائد إلى السعي، أي يجزى عليه، أو يجزى به فحذف حرف الجر ونصب على نزع الخافض فقد كثر أن يقال: جزاهُ عَمَله، وأصله: جزاه على عمله أو جزاه بعمله.

والأوفى: اسم تفضيل من الوفاء وهو التمام والكمال، والتفضيل مستعمل هنا في القوة، وليس المراد تفضيله على غيره. والمعنى: أن الجَزاء على الفعل من حَسن أو سيء موافق للمجزيِّ عليه، قال تعالى: { { فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله } [النساء: 173] وقال: { وإنا لموَفّوهم نصيبهم غير منقوص } [هود: 109] وقال: { ووجد الله عنده فوفاه حسابه } [النور: 39] وقال: { { فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً } [الإسراء: 63].

وانتصب { الجزاء الأوفى } على المفعول المطلق المبين للنوع.

وقد حكى الله عن إبراهيم { { ولا تخزني يوم يبعثون } [الشعراء: 87].