التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ
٤١
كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ
٤٢
-القمر

التحرير والتنوير

لما كانت عدوة موسى عليه السلام غير موجهة إلى أمة القبط، وغيرَ مراد منها التشريع لهم. ولكنها موجهة إلى فرعون وأهل دولته الذين بأيديهم تسيير أمور المملكة الفرعونية، ليسمحوا بإطلاق بني إسرائيل من الاستعباد، ويمكنوهم من الخروج مع موسى خص بالنذر هنا آل فرعون، أي فرعون وآله لأنه يصدر عن رأيهم، ألا ترى أن فرعون لم يستأثر بردّ دعوة موسى بل قال لمن حوله: { { ألا تستمعون } [الشعراء: 25] وقال: { { فماذا تأمرون } [الشعراء: 35] وقالوا: { { أرْجِهِ وأخاه } [الشعراء: 36] الآية، ولذلك لم يكن أسلوب الإخبار عن فرعون ومن معه مماثلاً لأسلوب الإخبار عن قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط إذ صدر الإِخبار عن أولئك بجملة { كذبت } [القمر: 18]، وخولف في الإِخبار عن فرعون فصدر بجملة { ولقد جاء آل فرعون النذر } وإن كان مآل هذه الأخبار الخمسة متماثلاً.

والآل: القرابَة، ويطلق مجازاً على من له شدة اتصال بالشخص كما في قوله تعالى: { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } [غافر: 46]. وكان الملوك الأقدمون ينوطون وزارتهم ومشاورتهم بقرابتهم لأنهم يأمنون كيدهم.

والنُذر: جمع نذير: اسم مصدر بمعنى الإِنذار. ووجه جمعه أن موسى كرر إنذارهم.

والقول في تأكيد الخبر بالقَسَم كالقول في نظائره المتقدمة.

وإسناد التكذيب إليهم بناء على ظاهر حالهم وإلا فقد آمن منهم رجل واحد كما في سورة غافر.

وجملة { كذبوا بآياتنا كلها } بدل اشتمال من جملة { جاء آل فرعون النذر } لأن مجيء النذر إليهم ملابس للآيات، وظهور الآيات مقارن لتكذيبهم بها فمجيء النذر مشتمل على التكذيب لأنه مقارنُ مقارنِهِ.

وقوله: { بآياتنا } إشارة إلى آيات موسى المذكورة في قوله تعالى: { { فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد } [الأعراف: 133] وهي تسع آيات منها الخمس المذكورة في آية الأعراف والأربع الأخر هي: انقلاب العصا حية، وظهور يده بيضاء، وسِنُو القحط، وانفلاق البحر بمرأى من فرعون وآله، ولم ينجع ذلك في تصميمهم على اللحاق ببني إسرائيل.

وتأكيد { آياتنا } بــــ { كلِّها } إشارة إلى كثرتها وأنهم لم يؤمنوا بشيء منها، وتكذيبهم بآية انفلاق البحر تكذيب فعلي لأن موسى لم يَتحدَّهُم بتلك الآية وقوم فرعون لما رأوا تلك الآية عدّوها سحراً وتوهموا البحر أرضاً فلم يهتدوا بتلك الآية.

والأخذ: مستعار للانتقام، وقد تقدم عند قوله تعالى: { أو يأخذهم في تقلّبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف } في سورة النحل (46، 47).

وهذا الأخذ: هو إغراق فرعون ورجالُ دولته وجنده الذين خرجوا لنصرتِه كما تقدم في الأعراف.

وانتصب { أخذ عزيز مقتدر } على المفعولية المطلقة مبيناً لنوع الأخذ بأفظع ما هو معروف للمخاطبين من أخذ الملوك والجبابرة.

والعزيز: الذي لا يغلب. والمقتدر: الذي لا يَعجِز.

وأريد بذلك أنه أخْذ لم يبق على العدوّ أيّ إبقاء بحيث قطع دابر فرعون وآله.