التفاسير

< >
عرض

وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ
٦٢
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٦٣
مُدْهَآمَّتَانِ
٦٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٦٥
فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ
٦٦
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٦٧
فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ
٦٨
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٦٩
-الرحمن

التحرير والتنوير

عطف على قوله: { { جنتان } [الرحمٰن: 46]، أي ومن دون تينك الجنتين جنتان، أي لمن خاف مقام ربه.

ومعنى { من دونهما } يحتمل أن (دون) بمعنى (غير)، أي ولمن خاف مقام ربه جنتان وجنتان أخريان غيرهما، كقوله تعالى: { { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } [يونس: 26]. ووُصف ما في هاتين الجنتين بما يقارب ما وصف به ما في الجنتين الأوليين وصفاً سُلك فيه مسلك الإِطناب أيضاً لبيان حسنهما ترغيباً في السعي لنيلهما بتقوى الله تعالى فذلك موجب تكرير بعض الأوصاف أو ما يقرب من التكرير بالمترادفات.

ويكون لكل الجنات الأربع حُور مقصورات لا ينتقلن من قصورهن، ويجوز أن تكون (دون) بمعنى أقل، أي لنزول المرتبة، أي ولمن خاف مقام ربه جنتان أقلّ من الأولين فيقتضي ذلك أن هاتين الجنتين لطائفة أخرى ممن خافوا مقام ربهم هم أقل من الأولين في درجة مخافة الله تعالى.

ولعل هاتين الجنتين لأصحاب اليمين الذين ورد ذكرهم في سورة الواقعة والجنتين المذكورتين قبلهما في قوله: { جنتان... ذواتا أفنان } [الرحمٰن: 46، 48] إلى آخر الوصف جنتا السابقين الوارد ذكرهم قوله في سورة الواقعة (10) { والسابقُون السابقون } الآيات.

و{ مُدْهَامَّتَان } وصف مشتق من الدُّهمة بضم الدال وهي لون السواد. ووصف الجنتين بالسواد مبالغة في شدة خضرة أشجارهما حتى تكونا بالتفاف أشجارها وقوة خضرتها كالسوداوين لأن الشجر إذا كان ريّان اشتدت خضرة أوراقه حتى تقرب من السواد، وقد أخذ هذا المعنى أبو تمام وركَّب عليه فقال:

يا صاحبيَّ تقصَّيَا نَظَريكُماتَريا وجوهَ الأرض كيف تَصوَّر
تريا نهاراً مشمِساً قد شابَهُزَهْرُ الرُّبى فكأنما هو مقمر

و{ نضاختان }: فوّارتان بالماء، والنضخ بخاء معجمة في آخره أقوى من النضح بالحاء المهملة الذي هو الرَّش.

وقد وصف العينان هنا بغير ما وصف به العينان في الجنتين المذكورتين، فقِيل: هما صنفان مختلفان في أوصاف الحسن يُشير اختلافهما إلى أن هاتين الجنتين دون الأولَيْن في المحاسن ولذلك جاء هنا { فيهما فاكهة ونخل ورمان }، وجاء فيما تقدم { { فيهما من كل فاكهة زوجان } [الرحمٰن: 52]. وقيل: الوصفان سواء، وعليه فالمخالفة بين الصنفين من الأوصاف تفنّن.

وعطف { ونخل ورمّان } على { فاكهة } من باب عطف الجزئي على الكلّي تنويهاً ببعض أفراد الجنتين كما قال تعالى: { { وملائكته ورسله وجبريل وميكال } في سورة البقرة (98).

وجاءت جمل { فبأي آلاء ربكما تكذبان } معترضات بين { جنتان } وصفاتها اعتراضاً للازدياد من تكرير التقرير والتوبيخ لمن حرموا من تلك الجنات.