التفاسير

< >
عرض

إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً
٤
وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً
٥
فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً
٦
وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً
٧
-الواقعة

التحرير والتنوير

{ إذا رجت الأرض } بدل من جملة { إذ وقعت الواقعة } [الواقعة: 1] وهو بدل اشتمال.

والرّج: الاضطراب والتحرك الشديد، فمعنى: { رُجت } رَجّهَا رَاجٌّ، وهو ما يطرأ فيها من الزلازل والخسف ونحو ذلك.

وتأكيده بالمصدر للدلالة على تحققه وليتأتى التنوين المشعر بالتعظيم والتهويل.

والبَسُّ يطلق بمعنى التفتت وهو تفرّق الأجزاء المجموعة، ومنه البسيسة من أسماء السويق أي فتِّتَتْ الجبال ونسفت فيكون كقوله تعالى: { { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً فيذَرها قاعاً صفصفاً } [طه: 105، 106].

ويطلق البسّ أيضاً على السّوق للماشية، يقال: بَسّ الغنم، إذا ساقها. وفي الحديث: "فيأتي قوم يَبِسُّون بأموالهم وأهليهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون" فهو في معنى قوله تعالى: { ويوم نسيّر الجبال } [الكهف: 47]، وقوله: { وسُيّرت الجبال } [النبأ: 20] وتأكيده بقوله: { بسّاً } كالتأكيد في قوله: { رجاً } لإِفادة التعظيم بالتنوين.

وتفريع { فكانت هباءً منبثاً } على { بُسّت الجبال } لائق بمعنيي البسّ لأن الجبال إذا سيّرت فإنما تُسيّر تسييراً يفتتها ويفرقها، أي تسييرَ بَعْثَرَة وارتطام.

والهباء: ما يلوح في خيوط شعاع الشمس من دقيق الغبار، وتقدم عند قوله تعالى: { { فجعلناه هباء منثوراً } في سورة الفرقان (23).

والمنْبَثُّ: اسم فاعل انبثَّ، مطاوع بثَّه، إذا فرّقه. واختير هذا المطاوع لمناسبته مع قوله: { وبسّت الجبال } في أن المبني للنائب معناه كالمطاوعة، وقوله: { فكانت هباءً منبثاً } تشبيه بليغ، أي فكانت كالهباء المنبث.

والخطاب في: { وكنتم أزواجاً ثلاثة } للناس كلهم، وهذا تخلص للمقصود من السورة وهو الموعظة.

والأزواج: الأصناف. والزوج يطلق على الصنف والنوع كقوله تعالى: { { فيهما من كل فاكهة زوجان } [الرحمٰن: 52] ووجه ذلك أن الصنف إذا ذكر يذكر معه نظيره غالباً فيكون زوجاً.