التفاسير

< >
عرض

سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
٢١
-الحديد

التحرير والتنوير

فذلكة لما تقدم من قوله تعالى: { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم } [الحديد: 12] إلى هنا فذلك مسوق مساق الترغيب فيما به تحصيل نعيم الآخرة والتحذير من فواته وما يصرف عنه من إيثار زينة الدنيا، ولذلك فُصلت الجملة ولم تُعطف، واقتُصر في الفذلكة على الجانب المقصود ترغيبه دون التعرض إلى المحذر منه لأنه المقصود.

وعبر عن العناية والاهتمام بفعل السابقة لإِلهاب النفوس بصرف العناية بأقصى ما يمكن من الفضائل كفعل من يسابق غيره إلى غاية فهو يحرص على أن يكون المجلِّي، ولأن المسابقة كناية عن المنافسة، أي واتركوا المقتصرين على متاع الحياة الدنيا في الآخريات والخوالف.

وتنكير { مغفرة } لقصد تعظيمها ولتكون الجملة مستقلة بنفسها، وإلا فإن المغفرة سبق ذكرها في قوله: { ومغفرة من الله }، فكان مقتضى الظاهر أن يقال: سابقوا إلى المغفرة، أي أكثروا من أسبابها ووسائلها: فالمسابقة إلى المغفرة هي المسابقة في تحصيل أسبابها.

والعَرْض: مستعمل في السعة وليس مقابل الطُول لظهور أنه لا طائل في معنى ما يقابل الطول، وهذا كقوله تعالى: { وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض } [فصلت: 51]، وقول العُديل لما فَرَّ من وعيد الحجاج:

ودون يد الحجاج من أن تنالنيبساط بأيدي الناعجات عَريض

وتشبيه عَرْض الجنة بعَرْض السماء والأرض، أي مجموع عرضيهما لقصد تقريب المشبه بأقصى ما يتصوره الناس في الاتساع، وليس المراد تحديد ذلك العرض ولا أن الجنة في السماء حتى يقال: فماذا بقي لمكان جهنم.

وهذا الأمر شامل لجميع المسابقات إلى أفعال البر الموجبة للمغفرة ونعيم الجنة، وشامل للمسابقة الحقيقية مع المجازية على طريقة استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، وهي طريقة شائعة في القرآن إكثاراً للمعاني، ومنه الحديث: "لو يعلم الناس ما في الصف الأول لاستبقوا إليه أو استهموا إليه" .

وليس في الآية دليل على أن الجنة غير مخلوقة الآن إذ وجه الشبه في قوله: { كعرض السماء والأرض } هو السعة لا المقدار ولا على أن الجنة في السماء الموجودة اليوم ولا عدمه، وتقدم من معنى هذه الآية قوله: { سارعوا إلى مغفرة من ربكم } الآية في سورة [آل عمران: 133].

وظاهر قوله: { أعدت } أن الله خلقها وأعدّها لأن ظاهر استعماله الفعل في الزمان الماضي إن حصل مصدره فيه، فقد تمسك بهذا الظاهر الذين قالوا: إن الجنة مخلوقة الآن، وأما الذين نفوا ذلك فاستندوا إلى ظواهر أخرى وتقدم ذلك في سورة آل عمران.

وعُلم من قوله: { أعدت للذين آمنوا بالله ورسله } أن غيرهم لاحظَ لهم في الجنة لأن معنى اعداد شيء لشيء قصره عليه.

وجَمْع الرسل هنا يشمل كل أمة آمنوا بالله وبرسولهم الذي أرسله الله إليهم، وليس يلزمها أن تؤمن برسول أرسل إلى أمة أخرى ولم يَدْع غيرها إلى الإِيمان به.

والإِشارة في { ذلك فضل الله } إلى المذكور من المغفرة والجنة.