انتقال آخر والكلام على أسلوب قوله:
{ أم مَن هذا الذين هو جند لكم } [الملك: 20]، وهذا الكلام ناظر إلى قوله: { { وكُلوا من رزقه } [الملك: 15] على طريقة اللف والنشر المعكوس. والرزق: ما يَنتفِع به الناس، ويطلق على المطر، وعلى الطعام، كما تقدم في قوله تعالى:
{ { وَجَد عندها رزقاً } [آل عمران: 37]. وضمير { أمسَكَ } وضمير { رزقه } عائدان إلى لفظ { الرحمان الواقع في قوله:
{ { مِن دون الرحمان } [الملك: 20]. وجيء بالصلة فعلاً مضارعاً لدلالته على التجدد لأن الرزق يقتضي التكرار إذ حاجة البشر إليه مستمرة. وكتب { أمَّن } في المصحف بصورة كلمة واحدة كما كتبت نظيرتها المتقدمة آنفاً.
{ بل لجّوا في عتوٍّ ونفور }
استئناف بَياني وقع جواباً عن سؤال ناشىء عن الدلائل والقوارع والزواجر والعظات والعبر المتقدمة ابتداء من قوله:
{ { الذي خلق الموت والحياة } [الملك: 2] إلى هنا، فيتجه للسائل أن يقول: لعلهم نفعت عندهم الآيات والنذر، واعتبروا بالآيات والعِبر، فأجيب بإبطال ظنه بأنهم لَجُّوا في عُتُوّ ونفور.
و { بل } للإضراب أو الإبطال عما تضمنه الاستفهامان السابقان أو للانتقال من غرض التعجيز إلى الإِخبار عن عنادهم.
يقال: لجّ في الخصومة من باب سمع، أي اشتد في النزاع والخصام، أي استمروا على العناد يكتنفهم العُتّو والنفور، أي لا يترك مخلصاً للحق إليهم، فالظرفية مجازية، والعتوّ: التكبر والطغيان.
والنفور: هو الاشمئزاز من الشيء والهروب منه.
والمعنى: اشتدوا في الخصام متلبسين بالكبر عن اتباع الرسول حرصاً على بقاء سيادتهم وبالنفور عن الحق لكراهية ما يخالف أهواءهم وما ألفوه من الباطل.