التفاسير

< >
عرض

أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ
٤٧
-القلم

التحرير والتنوير

إضراب آخر انتقل به من مدارج إبطال مَعاذيرَ مفروضةٍ لهم أن يتمسكوا ببعضها تَعِلةً لإِعراضهم عن قبول دعوة القرآن، قطعاً لما عسى أن ينتحلوه من المعاذير على طريقة الاستقراء ومنع الخلو.

وقد جاءَت الإِبطالات السالفة متعلقة بما يفرض لهم من المعاذير التي هي من قبيل مستندات من المشاهدات، وانتُقل الآن إلى إبطال من نوع آخر، وهو إبطال حجة مفروضة يستندون فيها إلى علم شيء من المعلومات المغيبات عن الناس. وهي مما استأثر الله بعلمه وهو المعبر عنه بالغَيْب، كما تقدم في قوله تعالى: { الذين يؤمنون بالغيب } في سورة البقرة (3). وقد استقر عند الناس كلهم أن أمور الغيب لا يعلمها إلاّ الله أو من أطْلَع من عباده على بعضها.

والكلام هنا على حذف مضاف، أي أعندهم علم الغيب كما قال تعالى: { { أعنده علم الغيب فهو يرى } في سورة النجم (35).

فالمراد بقوله { عندهم الغيب } أنه حصل في علمهم ومكنتهم، أي بإطلاع جميعهم عليه أو بإبلاغ كبرائهم إليهم وتلقيهم ذلك منهم.

وتقديم { عندهم } على المبتدأ وهو معرفة لإِفادة الاختصاص، أي صار علم الغيب عندهم لا عند الله.

ومعنى { يكتبون }: يَفرضون ويعيِّنون كقوله: { كتب عليكم القصاص في القَتلى } [البقرة: 178] وقوله: { { كتاب الله عليكم } [النساء: 24]، أي فهم يفرضون لأنفسهم أن السعادة في النفور من دعوة الإِسلام ويفرضون ذلك على الدهماء من أتباعهم.

ومجيء جملة { فهم يكتبون } متفرعة عن جملة { أم عندهم الغيب }، بناء على أن ما في الغيب مفروض كونه شاهداً على حكمهم لأنفسهم المشارِ إليه بقوله: { ما لكم كيف تحكمون } [القلم: 36] كما علمته آنفاً.